دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدساتير الأخرى


دراسة مقارنة (القسم الثاني)

السنة الحادية عشر ـ العدد 130 ـ (ذو القعدة ـ ذو الحجة 1433 هـ ) تشرين أول ـ أكتوبر ـ 2012 م)

بقلم: د.سامر عبد الله

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

        أثبتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية خطأ النظرية القائلة بأن المجتمع الذي لا يكون اشتراكياً إنما هو بالضرورة رأسمالي. وبعد أن أوصلت الرأسمالية والاشتراكية العالم إلى مأزق حقيقي وخطير، كان لا بد من التأكيد على أن الواقع الاجتماعي متغير باستمرار، وان المراهنة على نظريات وضعية لا يمكن أن يتجاوز إطار التأملات المجردة إذا أهملنا الجانب الروحي الثابت، لأن القوى المادية لا تلحظ إلا مكاسبها، ولا تراعي أية مساواة.

        إن دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية كان صدى لثورة إسلامية مفصلية في تاريخ الشعوب، ومن هذا المنطلق أخذ بعداً إنسانياً عالمياً لا نراه في أية دساتير أخرى، وخصوصاً في النواحي التالية:

        1- تأكيد المادة 152 على الدفاع عن حقوق جميع المسلمين.

        2- تأكيد المادة 154 على أن الجمهورية الإسلامية لن تتوانى عن دعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في كل بقعة من بقاع العالم.

        3- تأكيد المادة 154 لحق جميع شعوب العالم في الاستقلال والحرية.

        تناولنا في القسم الأول من دراستنا هذه، أوجه الشبه بين الدستور الإيراني وغيره من الدساتير والشرائع الكبرى.

        في هذا القسم ـ الثاني والأخيرـ وتحت عنوان: "خصوصية الدستور الإيراني وتميزه على غيره من الدساتير" سنتناول العناوين التالية:

        أولاً: ولاية الفقيه

        ثانياً: تقدم المعايير الإسلامية على جميع القوانين.

        ثالثاً: البعد الإنساني العالمي.

خصوصية الدستور الإيراني وتميزه على غيره من الدساتير

أولاً: ولاية الفقيه

 حددت المادة 109 من الدستور الإيراني مواصفات القائد كالتالي:

1- " القدرة العلمية اللازمة على الإفتاء في مختلف أبواب الفقه.

2- العدالة والتقوى المطلوبتان لقيادة الأمة الإسلامية.

3- الرؤية السياسية والاجتماعية الصحيحة، والتدبر والشجاعة والكفاءة الإدارية والقدرة الكافية على القيادة. وفي حال تعدد الأشخاص المتوافر لديهم الشروط المذكورة أعلاه، يرجح الذي يمتلك منهم رؤية فقهية وسياسية أدق".

اعتبر الإمام الخميني أنه عندما " ينيط الإسلام بالفقيه العادل الملم بقضايا عصره مهمة الإشراف على الحكومة فذلك ليتصدى لكل خلل أو انحراف، ويمنع الظالمين من سرقة بيت مال المسلمين. راجعوا تاريخ الإسلام وتأملوا كيف كانت الحكومات منذ صدر الإسلام وحتى الآن، وبالأخص في عهد خلافة الإمام علي بن أبي طالب(ع)؟ كانت حكومة إسلامية خالصة تقوم على مفهوم العدالة الحقيقية..."(1).

كما اعتبر سماحته "نحن نريد من الفقيه أن يقف بوجه الديكاتوريين، نريده ألا يسمح لرئيس الجمهورية أن يصبح  دكتاتورياً، لا يسمح لرئيس الوزراء أن يصبح ديكتاتورياً. لا يسمح لقائد الجيش أن يصبح دكتاتورياً..."(2).

وانطلاقاً من هذه المبادئ، منح الدستور الإيراني في المادة 110، القائد صلاحيات واسعة أبرزها:

1- تعيين السياسات العامة لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع التشاور مع مجلس تشخيص مصلحة النظام.

2- الإشراف على حسن تطبيق السياسات العامة للنظام.

3- إصدار الأمر بالاستفتاء العام.

4- القيادة العامة للقوات المسلحة.

5- إعلان الحرب والسلم والنفير العام.

إن إيديولوجية الثورة الإسلامية في إيران لم تأت من فراغ ولا تكونت بفعل العوامل الداخلية والخارجية التي كانت تعيشها إيران نفسها، بل لها منطلقاتها التاريخية وأسسها الدينية منذ وفاة الرسول محمد (ص)، مروراً بصراعات المسلمين على الخلافة وصولاً إلى الغيبة الكبرى للإمام المهدي المنتظر وما تلا ذلك من استحداث لنظرية ولاية الفقيه التي كرّسها ومارسها نظرياً وعملياً الإمام الخميني(3).

ولم يفت الدستور الإيراني تحديد الآلية الدستورية لانتخاب القائد، فهو لا يُفرض فرضاً، بل أن المادة 107 من الدستور الإيراني نصت على أنه:

"بعد وفاة المرجع الديني الكبير والقائد العظيم للثورة الإسلامية العالمية ومؤسس الجمهورية الإسلامية سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني (ره) الذي نودي به مرجعاً وقائداً من قبل الأغلبية الساحقة للشعب، فإن أمر تعيين القائد يناط بالخبراء المنتخبين من قبل الشعب. ويقوم هؤلاء الخبراء بالمراجعة والتشاور فيما بينهم بشأن جميع الفقهاء الجامعين للشروط المذكورة في المادتين الخامسة بعد المائة والتاسعة بعد المائة، فإذا وجدوا واحداً من أولئك الفقهاء هو الأعلم بالأحكام والموضوعات الفقهية، أو القضايا السياسية والاجتماعية، أو أنه يتمتع بتأييد الرأي العام، أو يمتلك – بشكل بارز – إحدى المزايا المذكورة في المادة التاسعة بعد المائة، انتخبوه قائداً، أو في غير هذه الحالة، ينتخبون أحدهم، ويعلنونه قائداً. وحينئذٍ يتحمل القائد المنتخب، مسؤولية ولاية الأمر، وجميع المسؤوليات المتفرعة عنها، ويتساوى القائد مع سائر الأفراد في البلاد أمام القانون". ومن ذلك يُفهم أن ولاية الفقيه بعمقها الديني، لها آلياتها الدستورية، وبالتالي هي آلية شرعية من وجهة نظر قانونية، وهي خيار الشعب الإيراني الذي يملك السيادة المطلقة في تقرير آلية إدارة البلاد، وهو ـ أي الشعب الإيراني ـ سبق أن نادى بالإمام الخميني مرجعاً وقائداً بأغلبية ساحقة، وله دوره الأساسي في انتخاب الخبراء الذين يعينون القادة الآخرين. وفي هذا المجال، يحق لنا أن نشير إلى أن البعد الديني في الدستور، أي دستور، هو مسألة سيادية مستقلة لا يحق للدول الأخرى التدخل بها بأي شكل من الأشكال.

فكما الشعوب الأوروبية سيدة في اختيار أحكامها الدستورية سواء كانت دينية أو علمانية، فإنه يحق أيضاً للشعوب الإسلامية السير على خطى تراثها الديني، استناداً إلى مصادره الأصلية.

وبمناسبة أعمال "المؤتمر حول مستقبل أوروبا، الذي دعا إلى عقده المجلس الأوروبي في كانون الأول 2001، في لايكن (بلجيكا)، من أجل وضع مقترحات لتعديل المعاهدات الجماعية، طرحت مسألة الانطلاق من لاشيء، وتجاهل المكتسبات الثقافية والدينية والقانونية التي شكلت الحضارة الأوروبية عمداً؟. أم، هل يمكنه، ويجب عليه، بالعكس، أن يكرّس تراثاً كان غنياً جداً بحيث تلقاه العالم بأسره ليتقاسمه؟.

وفي أوروبا أيضاً، تذكر ثلث الدول، "ثماني بالضبط" الله صراحة في دساتيرها: ست دول تفعل ذلك منطقياً في مقدمة دساتيرها، واثنتان تشيران فقط في القسم الدستوري المطلوب من السلطات السياسية، على غرار ثلاث دول ابتهلت إليه أيضاً في مطلع دساتيرها. والمثال الأشهر والأوضح للابتهال إلى الله نجده في دستور بلد عضو في الإتحاد الأوروبي منذ أكثر من ثلاثين عاماً من الآن، وهي جمهورية أيرلندا. فقد حررت مقدمة الدستور الأيرلندي لعام 1937، بالفعل، على النحو التالي: "باسم الثالوث الأقدس، الذي تنبع منه كل قدرة، ويجب أن ترد إليه، وإلى هدفنا الأسمى، على أعمال الرجال والدول، نعترف، نحن شعب أيرلندا، بخشوع بكل التزاماتنا نحو ربنا الإلهي يسوع المسيح، الذي دعم آباءنا خلال قرون من التجارب... راغبين بـتأمين الخير المشترك، في روح من التعقل والعدل والمحبة...؟". وتضفي المادة السادسة من الدستور الأيرلندي على سلطة الشعب حماية إلهية بنصها: "كل السلطات الحكومة التشريعية والتنفيذية والقضائية تصدر في ظل السلطة الإلهية عن الشعب..."(4).

ثانياً: تقدم المعايير الإسلامية على سائر المعايير

        يمكن القول إن الدستور الإيراني هو إسلامي بامتياز، وهذا الأمر يمكن استنتاجه من معظم أحكامه، ومن روحه، وأيضاً من مقدمته، وتحديداً فقرتها الأولى التي نصت على ما يلي:

        "يعبّر دستور جمهورية إيران الإسلامية عن الركائز الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الإيراني وذلك على أساس القواعد والمعايير الإسلامية التي تجسد أهداف الأمة الإسلامية، وآمالها القلبية".

        إن أسلوب الحكم الإسلامي كان هدفاً للشعب الإيراني طرحه الإمام الخميني عندما كان النظام الملكي سائداً. بل وكان من أهم شعارات الثورة الإسلامية الإيرانية الوصول إلى جمهورية إسلامية، إلى جانب شعارَيْ الاستقلال والحرية. وانطلاقاً من ذلك، جاء في مقدمة الدستور الإيراني ما يلي:

        "وحيث إن بناء المجتمع يعتمد على المراكز والمؤسسات السياسية القائمة على التعاليم الإسلامية، فإن الحكم وإدارة شؤون البلاد ينبغي أن تكون بيد الأشخاص الصالحين ﴿... أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾. ويجب أيضاً أن يتم التشريع في ضوء القرآن والسنة حيث يبين هذا التشريع الأسس اللازمة لإدارة المجتمع، وعليه فإن من المهم والضروري جداً الإشراف التام والدقيق عليه من قبل العلماء المسلمين المتصفين بالعدالة والتقوى والالتزام (الفقهاء العدل)".

        وبما أن الدستور هو القانون الأسمى، بحيث يجب أن تتوافق مع أحكامه كافة القوانين والأنظمة، وإلا فإنها تصاب بعيب  عدم المشروعية، أو عدم الدستورية، ويستوجب الأمر إبطالها، فقد نصت المادة 72 من الدستور الإيراني على ما يلي: "لا يحق لمجلس الشورى الإسلامي سن قوانين تتعارض مع مبادئ وأحكام المذهب الرسمي للبلاد أو مع الدستور. وتشخيص ذلك من مسؤولية مجلس صيانة الدستور وفق المنصوص عليه في المادة السادسة والتسعين  من الدستور".

        وبالعودة إلى المادة 16 من الدستور الإيراني، نجدها تنص على ما يلي: "يتم البت في عدم مغايرة تشريعات مجلس الشورى الإسلامي للأحكام الإسلامية بأغلبية فقهاء مجلس صيانة الدستور. أما تحديد عدم تعارضها مع الدستور فيكون بموافقة جميع أعضائه". إن هذه الأحكام تبين أن الدستور الإيراني اعتمد المنهج الإسلامي في سائر مظاهر الحياة السياسية والإدارية والاقتصادية والقضائية وغيرها. وإننا لا نجد مثيلاً لهذا النمط الجمهوري الدستوري الإسلامي الخالص.

        وإذا ما قارنّا الوضع الدستور في إيران بجمهورية مصر العربية، التي تنص المادة الثانية من دستورها على أن دين الدولة هو الإسلام، إلا أن هذا النص لا يعني أن مصر هي جمهورية إسلامية، بل هي دولة مدنية بامتياز، وعلى هذا الأمر تسير سلطتها التشريعية.

        ولقد جرت عدة محاولات لتغيير الدستور المصري، ليصبح دستوراً إسلامياً. فمنذ 60 عاماً، وفي أعقاب ثورة يوليو 1952، طرحت جماعة الإخوان المسلمين أول مشاريعها الدستورية الموصوفة بالإسلامية، إذ كانت قد استشعرت، آنذاك، أنها باتت قريبة من السلطة، وأنها على أقل تقدير، سوف تكون شريكاً بها بعد أن ربطتها صلات بعدد من رجال مجلس قيادة الثورة.

        إن هذا المشروع الدستوري لجماعة الإخوان المصريين يعاد تداوله حالياً بعد الثورة المصرية، وتنص المادة 10 منه على صفة الدولة الإسلامية، عبر القول بأن الوظيفة التشريعية للبرلمان، إذ تحكمها حدود تعاليم الإسلام، فمجلس الأمة هو الذي يتولى التشريع وفقاً للشريعة الإسلامية، ويفوض الرئيس في التنفيذ.

        وفي مصر أيضاً، ومع صعود نجم تيارات الإسلام السياسي في السبعينيات، أسفر هذا الأمر عن ظهور مشروع دستور إسلامي آخر كان " الأزهر" من أعده.

        تنص المادة 83 من مشروع الدستور الأزهري في فقرتها الأولى على أن سن القوانين يجب أن لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. كما أن المادة 18 منه نصت على أن الاقتصاد يجب أن يقوم على ذات المبادئ، وأضافت المادة 19 على أن خطط الدولة للتنمية يجب أن تكون وفقاً للشريعة الإسلامية(5).

        إن كلاً من دستور الإخوان ودستور الأزهر لم يكتب له النجاح حين طرحه، غير أنه حالياً، ومع تغير الأوضاع السياسية المصرية وزوال حكم حسني مبارك، وصعود نجم التيارات الإسلامية، نجد طموحاً نحو أخذ فكرة الحكم الإسلامي وجعلها قابلة للتنفيذ، إلا أن هذا الأمر دونه صعوبات نظراً للتركيبة المصرية الدينية، ولوجود فئة كبيرة من الأقباط، ولوجود إرث دستوري مدني عريق يصعب تجاوزه لوجود من يدافع عنه المجتمع المصري.

ثالثاً: البعد الإنساني العالمي

        تنص المادة 152 من الدستور الإيراني على ما يلي: "ترتكز السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية على أساس رفض كل أنواع الهيمنة والخضوع والمحافظة على الاستقلال الشامل، ووحدة أراضي البلاد، والدفاع عن حقوق جميع المسلمين، وعدم الانحياز لقوى التوسع والتسلط، وإقامة علاقات السلام مع الدول غير المعادية".

        وتضيف المادة 154 من الدستور الإيراني ما يلي: "تعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية سعادة الإنسان في المجتمع الإنساني  قضية مقدسة بالنسبة لها، وكذلك تعتبر الاستقلال والحرية وقيام حكومة الحق والعدل حقاً لجميع الشعوب في العالم، وعلى هذا فإن الجمهورية الإسلامية في إيران لن تتوانى عن دعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في كل بقعة من بقاع العالم، ومع تمسك الجمهورية الإسلامية، في ذات الوقت، بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى بشكل كامل".

        ولأن الدستور هو القانون الأعلى، فكان من الطبيعي على السياسة الحكومية للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تنسجم معه، وأن تتخذ مواقف حاسمة في مواجهة الظلم الذي يلحق بالشعوب المستضعفة، وتحديداً الإسلامية منها. وليس من قبيل المجاملة، وإنما من باب الاعتراف بالحقيقة، فإن ما قدمته الجمهورية الإسلامية الإيرانية، للشعبين الفلسطيني واللبناني، في مجال دعم المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، لا يمكن وصفه إلا بالالتزام الإنساني الحقيقي.

        والباحث في شؤون الدستور الإيراني، يكتشف، عندما يتعمق في نص المادتين 152 و 154، أن مواقف إيران السياسية ليست مرحلية، بل هي منهج أساسي ودستوري، اختاره الشعب الإيراني ومفجر ثورته الإمام الخميني، وعلى هذا الأمر تسير السياسة الخارجية الإيرانية منذ الثورة لغاية الآن. إن هاتين المادتين يمكن وصفهما بالرسالة العالمية، وهما أقرب إلى المواثيق الدولية من الدساتير الداخلية. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هو الإعلان الدولي الأساسي لجميع أعضاء الأسرة البشرية من حقوق غير قابلة للتصرف ولها حرمتها.

        ويوفر العهدان الخاصان بحقوق الإنسان والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الحماية الدولية فيما يتعلق بحقوق وحريات محددة، بما فيها حق الشعوب في تقرير مصيرها.

        إن الالتزام الإيراني بنصرة المستضعفين والدفاع عن جميع حقوق المسلمين، من إيرانيين وغير إيرانيين، حدد مضمون الثورة الإسلامية في إيران، والتي ترى مقدمة الدستور الإيراني أنها تشكل الأساس لاستمرارية هذه الثورة داخل البلاد وخارجها، خصوصاً بالنسبة لتوسيع العلاقات الدولية مع سائر الحركات الإسلامية والشعبية، والسعي إلى بناء الأمة الواحدة في العالم، والعمل على إنقاذ الشعوب المحرومة والمضطهدة في جميع أنحاء العالم.

الخاتمة

        يمكن القول إن دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو من الدساتير المهمة والمتطورة، تعرض لاختبارات متعددة، وعلى كل الأصعدة، لكنه أثبت أنه حاجة وضرورة، من خلاله حافظت الثورة الإسلامية في إيران على بريقها، وتمكنت الجمهورية الإسلامية من حجز المكان المناسب لها بين الدول المتقدمة تكنولوجياً، صامدة أمام الحصار الدولي الجائر بحقها، دون أن تتخلى عن دعم حركات المقاومة الإنسانية، وتحديداً مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الصهيوني الغاصب.

        فالدستور كما عرّفناه، هو القانون الأساسي الذي يوجه كل القوانين السياسية والإدارية والقضائية والاقتصادية والثقافية. والشعب الإيراني ارتضى بهذا الدستور، واقتنع به وبالهوية الإسلامية لإيران في الزمن الذي تعددت فيه المذاهب السياسية والاقتصادية والفكرية، وتحديداً المذهبان الاشتراكي والرأسمالي.

        فالمذهب الاشتراكي سقط، وسقط معه الإتحاد السوفيتي. أما المذهب الرأسمالي فقد سقط اقتصادياً مع بداية الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2009، وقبل ذلك، فقد سقط أخلاقياً، من خلال السياسات الاستعمارية المتبعة، والمحاولات المتتالية لإخضاع الشعوب والسيطرة على ثرواتها.

        وأمام ذلك، جاء الدستور الإيراني ليعطي فكرة متطورة عن أسلوب الحكم في الإسلام، بعيداً عن ذهنية السلطنة أو المملكة أو الإمارة، وإنما من خلال المنهج الديمقراطي، والانتخابات الدورية، والاستفتاء العام، فقبول هذا الدستور بمبدأ تداول السلطة على صعيد رئاسة الجمهورية، وبمبدأ مجلس الشورى الإسلامي المنتخب من الشعب، أوجد القدرة على الجمع بين الإسلام والمفاهيم الديمقراطية التي نادى بها المفكرون في الغرب، فأصبح سهلاً تنقية المجتمع الإسلامي من الشوائب الفكرية الغربية السيئة، وإعطاء صورة لمجتمع ديمقراطي قائم على المفاهيم الإسلامية الخالصة.

        لقد حاولت في هذه الدراسة المتواضعة أن أقارن بين الدستور الإيراني وبعض الدساتير الأخرى، وهذا الأمر اقتضى أيضاً تبيان خصوصية الدستور الإيراني، لكونه رسالة عالمية لتتواصل مع سائر الحركات الإسلامية والشعبية، ولاستمرارية هذه الثورة داخل البلاد وخارجها.

        وبصراحة، فإن الواقع أثبت، أن السياسات الإيرانية المتعاقبة، وتحديداً الخارجية منها، كانت حريصة على تطبيق هذا الجانب الدستوري، فكانت الجمهورية الإسلامية عقبة أمام المشروع الصهيوني، على الرغم البعد الجغرافي بين إيران وفلسطين المحتلة.

        وإلى جانب ذلك، فإن في الدستور الإيراني جوانب مهمة حول التنشئة الإسلامية، وفي السياسة الاقتصادية الإسلامية، والتي نرى فائدتها القصوى، وتحديداً في الوقت الحاضر، بعد أن تبين من خلال الأزمة الاقتصادية العالمية أن الإفراط في الائتمان كان سبباً لمعظم الإفلاسات الكبرى.

        لذلك، وقبل أن نقدم أي اقتراح للعودة إلى المفاهيم الاقتصادية الإسلامية وفكرة المصارف الإسلامية، وهو الأمر المتبع في الجمهورية الإسلامية وفقاً للدستور، نجد أن المجتمع الغربي، وبصورة تلقائية، جعل من هذه المفاهيم محوراً لمناقشات متعددة، قد تصل إلى اعتماد القيود التي وضعها الفكر الإسلامي على نظام الفوائد. عسى أن تكون هذه الدراسة بداية، على أن تليها دراسات أخرى تعالج مختلف جوانب الدستور الإيراني، هذه الجوانب، وعن حق تستحق المتابعة وكل الاهتمام.

المراجع:

1- رسول سعاد تمند، المرجع السابق، ص: 717.

2- رسول سعاد تمند، المرجع أعلاه، ص: 719.

3- مهدي شحادة، جواد بشارة، إيران: تحديات العقيدة والثورة، مركز الدراسات العربي – الأوروبي، الطبعة الأولى، باريس، توزيع مكتبة بيسان، بيروت، لبنان، 1999، ص: 15.

4- جويل بينوا دونوريو، "الأديان والدساتير في أوروبا"، مجلة القانون العام، J.D.G.L، مجد، بيروت، لبنان، عدد 2006، ص: 718.

5- هاني عبد الله، "دستور الأزهر أكثر تشدداً من دستور الإخوان"، روز اليوسف،  23يوليو 2011، القاهرة، مصر، ص: 49.

اعلى الصفحة