التصعيد واغتيال الجعبري.. أيُّ سلام تريد إسرائيل؟!

السنة الحادية عشر ـ العدد132 ـ ( محرم ـ صفر 1434  هـ ) كانون أول ـ 2012 م)

بقلم: هيثم محمد أبو الغزلان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

اغتالت إسرائيل نائب القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، احمد الجعبري، وترافق ذلك مع تصعيد في العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة، وردٍّ عنيفٍ ونوعي من المقاومة الفلسطينية تمثّل بقصف العمق الإسرائيلي، واستخدام المقاومة أسلحة تستخدمها لأول مرة.

ما تقدَّم يقودنا إلى التساؤل: هل إسرائيل جادة في تحقيق تقدم باتجاه "سلام" حقيقي مع الجانب الفلسطيني؟! ولماذا ترفض تجميد ـ ولم نقل وقف ـ الاستيطان الذي ازدادت وتيرة سرعته بشكل غير مسبوق؟! وهل يُمكن حقاً إنهاء الاحتلال الإسرائيلي عن الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 عن طريق المفاوضات ـ كما يأمل البعض ويتمنى ـ؟!! ولماذا يعتقد 80 في المائة من الإسرائيليين بأنه لا يمكن الوصول إلى سلام مع الفلسطينيين، ويعتبرون ذلك من رابع المستحيلات؟! ولماذا يضع الجانب الفلسطيني في السلطة كل بيضه في سلة المفاوضات؟!.

في العموم، فقد مضى 21 عاماً على إطلاق مؤتمر مدريد للتسوية، و 19 عاماً على اتفاق أوسلو، لم يتم خلالها تحقيق انجازات حقيقية  على المستوى الفلسطيني، أو تحقيق إنجاز فعلي على صعيد تحرير الأراضي المحتلة وعودة القدس واللاجئين وقيام الدولة الفلسطينية.

وما حصل فعلياً، وعلى أرض الواقع هو إتاحة المجال لإسرائيل لكي تفرض وقائع جديدة على الأرض: تهويد للقدس، واستمرار إقامة المستوطنات في الضفة الغربية وتوسيع القائم منها. وقد كشفت منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية في تقرير أصدرته عن ارتفاع وتيرة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة بنحو 20% خلال السنة المنصرمة، عدا عن بناء الجدار الفاصل، والتضييق على الفلسطينيين وتهجيرهم..

وبعد أن أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي في شهر تشرين الثاني المنصرم  نيتها تصعيد عملية البناء الاستيطاني في القدس الشرقية جاءت ردة فعل واشنطن خافتة ورفضت إدانة القرار، هذا الأمر دفع عواصم أوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا والبرتغال)، للتدخل عبر إرسال خطاب مشترك إلى الأمم المتحدة تدين فيه قرار "إسرائيل" بتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، مع الإشارة إلى الطبيعة غير الشرعية للمستوطنات التي تهدد حسب البيان بتقويض حل الدولتين.

وعلى الرغم من أن العرب والفلسطينيين الرسميين ما زالوا مؤمنين بخيار التسوية، إلا أن تعنت مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد أوقف عملية التسوية تماماً منذ منتصف العام 2010، بسبب استمرار عمليات الاستيطان في الضفة الغربية وعمليات التهويد الجارية على قدم وساق، والتي لا تترك للفلسطينيين في أرضهم إلا "كانتونات" ممزقة للعيش فيها!! وهذا يعني أن إسرائيل ملتزمة بخيار الاستيطان لابتلاع ما تبقى من أرض فلسطين والاستمرار في تكريس الاحتلال...

وأفضت سياسة الاستيطان والاستلاب الإسرائيلية، المتواصلة منذ العام 1967، إلى قضم 80.14 % من مساحة الضفة الغربية، مُبقية على 19.86 % فقط للفلسطينيين، تشكل 12 % من فلسطين التاريخية.

وتمتد "البقعة" المتبقية من يد الاحتلال ضمن ثمانية "كانتونات" غير متصلة جغرافياً، لتشكل، مع مساحة قطاع غزة، التي تساوي بالنسبة للضفة الغربية حوالي 6.43 %، قوام الدولة الفلسطينية المنشودة، وفق الرؤية الإسرائيلية.

وتتفق الوقائع التي فرضها الاحتلال على الأرض منذ حزيران (يونيو) 1967، واشتدت وتيرتها بعد أوسلو، مع موقفه من الكيان الفلسطيني المستقبلي الذي لا يخرج، بالنسبة إليه، عن إطار الحكم الذاتي المعني بالشؤون المدنية للسكان، باستثناء السيادة والأمن الموكولتين إليه، بحسب دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية.

والتهم الاحتلال الإسرائيلي عبر السنوات المتوالية غالبية مساحة الضفة الغربية، التي تبلغ حوالي 6142 كم مربع مع مساحة مياه البحر الميت، وحوالي 5600 كم مربع بدونه، بحيث لم يتبق للجانب الفلسطيني سوى 1112.16 كم مربع، بنسبة 19.86 %، فقط.

وصادر الاحتلال منذ اتفاق أوسلو (1993) حوالي 860 ألف دونم، منها 120 ألفا في منطقتي: (أ- الخاضعة للسلطة الفلسطينية بسيطرة كاملة)، و (ب- الخاضعة للسيطرة المدنية الفلسطينية والأمنية الإسرائيلية)، وفق تصنيفات أوسلو.

وأدى اقتطاع الاحتلال للمساحة الواقعة ضمن منطقتي(أ) و (ب) إلى اجتزاء نسبة 2.14 % من إجمالي 38 %، مُبقياً على 35.86 % منهما فقط، لصالح ضمها إلى المنطقة(ج) الخاضعة لسيطرته الكاملة، التي باتت مساحتها الإجمالية حوالي 64.14%.

ومنذ عام 1967؛ تمكنت سلطات الاحتلال، عبر القتل والتنكيل والعنف، من مصادرة نحو أربعة ملايين دونم من أراضي الضفة الغربية، وهدم نحو 26 ألف منزل فيها بمعدل 500 منزل سنوياً، بحسب دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية.

وأفادت الدائرة، في تقرير أصدرته حديثاً، بأن الاحتلال صادر 1.250.000 دونما بدعوى (أراضي دولة)، و1.200.000 دونما بذريعة (محميات طبيعية) و450 ألف دونما بحجة أنها أملاك غائبين و500 ألف دونم بقرارات عسكرية. وتابع: صادر الاحتلال 500 ألف أخرى لصالح المستوطنين، لإقامة 470 مستوطنة وموقع استيطاني عشوائي وثكنة عسكرية عليها، تضم نحو 519 ألف مستوطن".

ويسيطر الاحتلال اليوم، بحسب معطيات الدائرة، على "ما نسبته 86 % من أراضي القدس المحتلة، لصالح البناء والتوسع الاستيطاني، ويحرم الفلسطينيين أصحاب الأرض الشرعيين من حقوقهم وأملاكهم".

وعليه، فإن مواقف الأحزاب الإسرائيلية، التي يسِمُها الإعلام الإسرائيلي والغربي، بأنها من "الحمائم"، ويقصد معسكر "السلام" الإسرائيلي من أحزاب وحركات اليسار، ومن ضمنهم حزب العمل وحركة ميريتس. و"الصقور" ومن ضمنهم الليكود... متفقون على أن القدس هي عاصمة إسرائيل الموحدة بسيادة إسرائيلية كاملة عليها، ورفض حقّ العودة للاجئين الفلسطينيين المُقتلعين من أرضهم، وأن لا عودة إلى حدود العامِ 1967، ولا ضمّا كاملاً للمناطق، والسعي وراء ضمّ مناطق معيّنة من الضفّة الغربيّة، بما في ذلك المستوطنات الموجودة فيها (القدس وغوش عتسيون وأجزاء معيّنة في منطقتَي طولكرم وقلقيلية)، واعتبار نهر الأردن وشمال غرب البحر الميّت حدًّا أمنيًّا للكيان الإسرائيلي، والموافقة على كيان فلسطيني يضمّ المناطق المزدحمة بالسكان الفلسطينيين...

نقاط خلاف بين "الحمائم"، و"الصقور"..

ويُعدِّد د. هيثم مزاحم في مقال بعنوان: "سقوط وهم "السلام" الإسرائيلي" الخلاف بين معسكري "الحمائم"، و"الصقور"، والتي تنحصر في:

1- طبيعة الكيان الفلسطيني الذي سينشأ، إذ كان الصقور يعارضون حقّ تقرير المصير للشعب الفلسطيني في دولة مستقلّة، ويدعون إلى كيان فلسطيني يقوم على علاقة اندماجية أو فيدرالية مع الأردن (أو ربّما مع إسرائيل ضمن إطار صيغة ما). بينما لا يعارض "الحمائم" خيار الدولة الفلسطينية في المناطق التي ستجلو إسرائيل عنها.

2- وبينما يكتفي الحمائم بضمّ إسرائيل للقدس الشرقية بحدودها البلدية المعيّنة بعد الاحتلال فورًا والمناطق المذكورة آنفًا، يطالب الصقور بضمّ "مناطق واسعة تشمل القدس الكبرى ومنطقة غوش عتسيون وغرب قضاء نابلس وغور الأردن وشمال غرب البحر الميّت. وتبلغ مساحة هذه المناطق المقترح ضمّها 20%-25% من إجماليّ مساحة الضفّة الغربية، وتضمّ جميع المستوطنات الكبيرة ونحو 70% من المستوطنين".

3- وبالنسبة إلى المستوطنات؛ يدعو "الحمائم" إلى التخلّي عن المستوطنات في المناطق التي ستنشأ الدولة الفلسطينية فيها وترحيل المستوطنين إلى "إسرائيل"، أو "التخلّي عن المستوطنات الصغيرة، الواقعة في مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية، والسعي وراء بقاء المستوطنات الكبيرة تحت السيادة الفلسطينية، مع ضمان أمنها وتخيير المستوطنين فيها بين البقاء والرحيل إلى إسرائيل". أمّا الصقور فيعارضون التخلّي عن المستوطنات الكبيرة، ويسعَون وراء المستوطنات الصغيرة تحت السيادة الفلسطينية مع ضمان أمنها.

أمّا التحوّل الذي طرأ على نظرة الحمائم فقد تمثّل في قبولهم بتوسيع المناطق التي ينبغي السعي وراء ضمّها إلى إسرائيل، بحيث تشمل منطقة القدس الكبرى والمستوطنات الكبيرة كافّة، بالإضافة إلى المناطق الأخرى التي يوافقون على ضمّها.

ويفسّر الكاتب الإسرائيليّ عوزي بن زيمان هذا التغيّر بسبب ما لمسوه من استعداد لدى بعض المفاوضين الفلسطينيين لقبول هذه الفكرة من جهة، وإلى ما حقّقته سياسة إسحاق رابين في التمهيد لوجهة نظر الصقور على أرض الواقع من خلال استيطان مكثّف وربط بين المستوطنات. حتّى أن شمعون بيريز فكّر بالعودة إلى مشروع الحلّ الوظيفي خلال فترة حكمه، لكن العمليات الاستشهادية الفلسطينية قد وضعت حدًّا لهذا التوجّه في الحزب حيث أقرّ الحزب في برنامجه الأخير مبدأ الفصل بين الشعبَين الفلسطيني والإسرائيلي في كيانَيْن منفصلَيْن.

وعلى الرغم من وجود بعض الخلافات السياسية والفكرية بين الحزبَين فإنها ليست خلافات جوهرية، ذلك أن معظم الخلاف بينهما هو في الصراع على السلطة، وفي أساليب تحقيق المشروع الصهيوني، وقراءة الظروف الدولية والإقليمية الملائمة لتنفيذ مراحل المشروع، وتقدير الأخطار المتوقّعة من جرّاء مشروع "إسرائيل الكبرى".

فحزب العمل بمختلف قادته واتّجاهاته يؤمن بأن أرض إسرائيل التاريخية (الكبرى) تشمل كلّ فلسطين (والأردن)، لكنّه يرى أن الظروف لا تسمح باحتلال كلّ هذه الأراضي وضمّها إلى إسرائيل، وذلك لآثار الوضع الديموغرافي والأخلاقي على فرادة الدولة اليهودية ونقائها في حال ضمّ مليون ونصف مليون مقيمين في الضفّة الغربية وقطاع غزّة، وفي تحوّل إسرائيل إلى دولة عنصريّة وغير ديمقراطية شبيهة بدولة جنوب إفريقيا سابقاً، أي حكم الأقليّة اليهودية بقوّة السلاح للأغلبية العربيّة. وإذا كان الجانب الأخلاقي لا يهمّ كثيراً قادة حزب العمل أو الليكود، فإن تحوّل "إسرائيل" إلى دولة ثنائية القومية هو ما يشكّل خطراً مستقبليّاً عليها.

لذلك يختلف حزب العمل مع الليكود في رؤيته بضرورة التسليم بهذه الحقائق، ولاسيّما بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية العامَ 1987، حيث تبيّن أنه لم يعد في الإمكان إنكار حقيقة وجود الشعب الفلسطيني، بل من الأجدى الاعتراف به وبحقّه في تقرير المصير في دولة فلسطينية محدودة السلطات وفي أقلّ قدر ممكن من الأراضي. لأنّ هذه الفرصة التاريخية قد لا تسنح مجدّدًا لإسرائيل، وربّما تتغيّر الظروف الدولية والإقليمية، الأمر الذي قد يفرض عليها القبول بتسوية تتطلّب تنازلات أكثر.

وكشفت صحيفة هآرتس العبرية عن مضمون وثائق سرية جاء فيها أن رئيسة حزب العمل، شيلي يحيموفيتش، قد أدلت خلال زيارة سرية قامت بها لفرنسا في 23 تموز الماضي والتقت خلالها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، بتصريحات مماثلة لتصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حول عملية السلام، وطالبت الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، ودعت إلى استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية دون شروط مسبقة، ودون المطالبة بوقف البناء في المستوطنات المقامة في الضفة الغربية.

وقالت الصحيفة، إن الرئيس الفرنسي ووزير الخارجية لوران فابيوس، طرحا القضية الفلسطينية، وطالبا بمعرفة رأي يحيموفيتش، التي جاء ردّها عاماً، وكررت مواقف نتنياهو التي أعلن عنها في الكنيست والكونغرس والجمعية العامة للأمم المتحدة، مشددة على وجوب اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية.

كما ردت يحيموفيتش على سؤال الرئيس الفرنسي حول موقف حزب العمل من استئناف المفاوضات مع محمود عباس، قائلة إن "حزبها مع استئناف المفاوضات بدون شروط مسبقة، بهدف التوصل إلى حل الدولتين من خلال تسوية جغرافية، مع الحفاظ على أمن إسرائيل، واعتراف الفلسطينيين بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية ديمقراطية".

ولعلّ أبرز دليل على توافق الحزبَين على معظم القضايا الأساسية هو ائتلافهما في حكومة مشتركة مرّات عدّة (1967-1969 و1984-1990) واستعداد بيريز للاشتراك مع نتنياهو في حكومة وحدة وطنيّة العامَ 1996 واشتراك وزراء من حزب العمل في الحكومة التي شكّلها آرييل شارون بعد فوزه في انتخابات رئاسة الحكومة في شباط/فبراير 2001، ومشاركة حزب العمل في حكومة بنيامين نتنياهو، وانضمام بعض القادة من أحد الحزبَين إلى الحزب الآخر(موشي دايان وجماعة بن غوريون انضمّوا إلى الليكود، وعيزرا وايزمان ومجموعته انتقلوا من الليكود إلى حزب العمل، وحركة الطريق الثالث انضمّت إلى حكومة الليكود، وديفيد ليفي انضمّ إلى قائمة إسرائيل واحدة).

وقد شكا يوسي ساريد قبل انفصاله عن حزب العمل وانضمامه إلى حركة راتس من هذا التماثل الإيديولوجي- السياسي بين حزبَي العمل والليكود، إلى درجة وصفه حزب العمل بأنه "الليكود رقم 2".

ولعلّ انسحاب يوسي ساريد، ومن قبله انسحاب قادة "الحمائم" (شولاميت آلوني وآرييه إلياف وغيرهما) من حزب العمل، ولجوء الحزب إلى الأساليب العدوانية والقمعيّة المتطرّفة ضدّ الفلسطينيين واللبنانيين (مثل العدوان على لبنان في تمّوز 1993، وحرب عناقيد الغضب ومجزرة قانا في نيسان 1996، وحصار المناطق المحتلّة وتجويعها في العامَين 1994 و1995) في أوج عملية التسوية السلمية، هي شواهد ساطعة على سياسة حزب العمل المتطرّفة.

ويذهب الكاتب الإسرائيلي المعارض للصهيونية إسرائيل شاحاك، في مقارنته بين العمل والليكود إلى أنَّ الحزبَين عنصريّان، لكنَّ العمل أكثر عنصريّة، حيث يعامل الليكود أعضاء الحزب العَرَب فيه معاملة متساوية، بينما الأعضاء العَرَب في العمل مفصولون إلى "قطاع عربيّ" عن باقي الحزب. ويعتبر شاحاك أنَّ الخلاف بين الطرَفَين ينحصر في تمسّك الليكود بالاعتقادات الدينية اليهودية بشأن فلسطين، من دون مراعاته للعوامل الخارجية، بينما يراعي حزب العمل في حساباته الظروف الدولية والإقليمية، ويتكيّف معها من أجل تحقيق مصالح الدولة السياسيّة والاقتصادية والعسكرية.

وقد أورد زئيف بيفن (عضو كنيست عن الليكود ورئيس اللجنة الفرعية المسؤولة عن سياسة الأمن القومي) في دراسة له بعنوان: (الأسس النظرية لحزب الليكود وموقفه من السلام) أن الموقف الصهيوني مبنيٌّ على هدف صهيوني: خلق مرفأ آمن في إسرائيل للشعب اليهودي. يكون ذلك بالاستناد إلى مسألتين: الأولى حق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل؛ والثانية حق الدولة اليهودية في الأمن القومي ليتمكن أبناؤها وبناتها من الحياة بحرية.

ومن أجل المحافظة على المسألتين ـ يضيف بيفن ـ لابد لأي حكومة إسرائيلية أن تأخذ بالحسبان أموراً ثلاثة:

1- منع قيام دولة أجنبية جديدة غرب نهر الأردن.

2- المبادرة في إقامة التفاهم والاحترام المتبادل بين إسرائيل وجيرانها العرب.

3- بذل الجهد للتوصل إلى معاهدات سلام بين إسرائيل والدول العربية المجاورة.

مضيفاً: "هناك من يرفض الموقف الصهيوني على أساس أنه يقوم على أحلام الماضي، لا على إدراك عقلاني لصعوبات الحاضر".

ويقول زئيف بيفن: "إذا أعلنت حكومة إسرائيل - كما يتوقع البعض- عن موافقتها على تقليص نفسها والانكماش إلى حدود ما قبل عام 1967 م "مقابل السلام"، فهذا يُعبِّر عن قصر النظر وسيؤدي إلى هزيمة السلام، خصوصاً وأننا نعرف أن لدى الديكتاتوريات الشرق أوسطية رغبة لا يمكن مقاومتها في القضاء بضربة واحدة على الديمقراطية اليهودية المحصورة في منطقة عرضها 10 ميل. ولا يختلف في ذلك القوميون العرب المتطرفون في سورية والعراق عن الإسلاميين الأصوليين في إيران والجزائر".

ويضيف بيفن: "العنف السياسي هو أحد خصائص الشرق الأوسط الذي خرج حديثاً من تحت عباءة الإمبراطورية العثمانية، دون أن تكون لبلدانه حتى الآن حدوداً ثابتة. أما الطبيعة الديكتاتورية لأنظمته فلا تسمح بحدوث تغيير، وغالباً ما يستخدم الطغاة العرب الحقد كأداة سياسية ضد خصومهم. هذا الحقد موجه الآن بشكل خاص ضد الدولة اليهودية.. عندما يطالب البعض بالسلام "الآن" نقول لهم "وماذا بعد ذلك؟". إن الصراع بين إسرائيل والشعوب العربية له جذور تاريخية ونفسية عميقة لا تقتصر على الضفة وغزة، لكنها تمتد لتشمل كافة السواحل المحيطة بإسرائيل.

إن "حيبرون" بالنسبة لنا هي "الخليل" في لغتهم، وأشكلون هي نفسها المجدل وأورشاليم هي قدسهم، وحيفا هي حيفا بالعبرية والعربية. المسألة بالنسبة لإسرائيل مسألة وجود، ومثل هذا الصراع لن ينتهي بحركة سياسية واحدة. لذلك نقول إن الحماس الزائد للحل لا يعتبر فضيلة، والخطوات الحذرة المدروسة ليست رذيلة. بالنسبة لنا نحن الإسرائيليين للتفاؤل صيغة مختلفة: من المهم أن نكون متفائلين ومن الحيوي أن نكون دائماً على أهبة الاستعداد".

واعتبر مرزوق الحلبي (الحياة اللندنية، 7/11/2012)، السياسة الإسرائيلية الداخلية قد "تطورت" منذ أواسط التسعينات على أربعة محاور:

الأول: نشوء إجماع واسع يقضي بتطبيع علاقة الدولة مع المراكز الاستيطانية الكبيرة واعتبارها نهائية وجزءاً من إسرائيل ضمن أي تسوية مع الفلسطينيين.

الثاني: إدارة الصراع وإطالة أمد الوضع القائم ما استطاعت إسرائيل إليه سبيلاً في كل ما يتصل بالمسألة الفلسطينية وتحويلها إلى مسألة خدمات بلدية وتسهيلات حركة التنقّل وما تحمله من نمو طفيف في حركة التجارة والعمل.

الثالث: الانزلاق بالديمقراطية الإسرائيلية المحدودة إلى نوع خاص من الأبرتهايد المتدرّج تناصره غالبية إسرائيلية مُطلقة في ظلّ الإصرار على إعلان إسرائيل دولة يهودية (الاعتراف الأميركي بإسرائيل في 1947 تم بشطب "اليهودية" من المستند الذي وقّعه الرئيس الأميركي حينها)، وهو إصرار موجّه إلى الفلسطينيين في الداخل تحديداً ولتوفير غطاء لسياسات إسرائيلية نحوهم.

الرابع: إحلال التهديد الإيراني ومخاطر التحولات العربية على إسرائيل بدل استحقاقات المسألة الفلسطينية وبناء الخوف اليهودي كمادة لتشكيل الواقع وإدارة السياسات نحو الداخل الإسرائيلي ونحو الخارج، أيضاً.

ومن المعروف أن الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية هو عينه لم يتبدل منذ أمد بعيد، وهو قائم على تعاطف حميم مع الحقوق الإسرائيلية ورغبة بتحقيق تسوية عادلة على أساس الدولتين بما فيه مصلحة الإسرائيليين والفلسطينيين على السواء.

وقالت دراسة صادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، التابع لجامعة تل أبيب، إن التوصل إلى سلامٍ مع الفلسطينيين في المستقبل المنظور هو من رابع المستحيلات، ذلك لأن المجتمع الفلسطيني ليس مستعداً بعد للتخلي عن الهدف المشترك لجميع الدول العربية وهو الذي كان قائماً حتى قبل تأسيس الدولة العبرية: منع دولة يهودية، والآن القضاء عليها، على حد تعبير الدراسة. وأضافت الدراسة أن حقيقة أن الصراع السياسي الداخلي الضروري للمجتمع الفلسطيني لتغيير هدفه الأساسي لم يحدث. مشيرةً إلى أن كبار القادة الفلسطينيين أكدوا على رفضهم القاطع لإسرائيل اليهودية، كما أنهم عملوا وما زالوا على نشر ثقافة الكراهية للدولة العبرية وللشعب اليهودي في مناهج التعليم بالمدارس الرسمية، وكذلك في حملاتهم الدعائية.

علاوة على ذلك، أوضحت الدراسة أن البيئة السياسية الراهنة في العالم العربي، يُسيطر عليها الإسلام المتزمت والمعادي جداً لإسرائيل وللغرب، وبالتالي فإن الدراسة تتوقع عدم حدوث أي تغيير حاسم في الرأي العام الفلسطيني.

وأكدت الدراسة على أن النقاش حول العداء يمكن أنْ يبدأ فقط بعد هدوء الحركات الإسلامية الأصولية التي تنتشر كالنار بعد الهشيم في الوطن العربي، فقط عند ذلك، ستُسمع الأصوات المعتدلة في الشارع الفلسطيني، والتي تؤمن بأنه يجب التنازل عن فكرة القضاء على إسرائيل، على حد قول الدراسة.

وتقترح الدراسة على صناع القرار في تل أبيب من أجل السلام في المستقبل عدة اقتراحات، منها، رفض إسرائيل، رفضاً قاطعاً، الإدعاء الفلسطيني بأنه لا توجد صلة تاريخية قديمة بين الشعب اليهودي وبين أرض إسرائيل، التأكيد على أن الغرب، وتحديدًا أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، لا يرفض شرعية إسرائيل تحت أي ظرف من الظروف.

أما الاقتراح الثالث فيؤكد على شطب حق العودة من القاموس، وتأكيد قادة دولة الاحتلال على أن توطين 'اللاجئين "الهلالان في الأصل"، يجب أنْ يتم خارج حدود الدولة العبرية.

كما تقترح الدراسة مراقبة حسابات السلطة الفلسطينية وغيرها من التنظيمات الفلسطينية، وتخفيض المعونات لمنع الفلسطينيين من استخدام الفلسطينيين الأموال الأجنبية لدعم البنية التحتية للإرهاب، وتعليم الكراهية، وملء جيوب القادة لتحقيق مكاسب شخصية.

علاوة على ذلك، ترى الدراسة أنه يجب مناقشة الفلسطينيين حول حجم الأراضي التي يريدونها لإقامة دولة قابلة للحياة، والاقتراح الأخير هو كيُّ الوعي الفلسطيني بأن السلام ما زال بعيد المنال من جهة، ومن الجهة الثانية، التأكيد لهم على أنْ لا يفقدوا الثقة في إمكانية التوصل إلى سلامٍ مع الإسرائيليين.

ولكن الدراسة تقول مع أن الحقيقة الواقعة تؤكد على أن السلام ما زال بعيداً جداً، فعلى صناع القرار في تل أبيب أنْ يفحصوا جيداً هل الشعب الفلسطيني على استعداد لقبول سلامٍ مع إسرائيل ليس قائماً على القضاء عليها، وبعد التحقق من هذه المسألة الحساسة جدًا، بحسب الدراسة، يجب على الحكومة الإسرائيلية ترتيب إستراتيجية جديدة للدفع باتجاه السلام مع الفلسطينيين.

وحذرت الدراسة من أن ممارسة الضغوط على إسرائيل سيكون لها تداعيات سلبية للغاية، منها، على سبيل الذكر لا الحصر، تعزيز الشعور لدى الفلسطينيين بأنه من الممكن القضاء على إسرائيل من ناحية وتقويض فرص السلام من ناحية أخرى.

وعزت الدراسة التراجع الحاد في فرص السلام إلى اتفاق أوسلو، الذي عوضًا عن تقريب وجهات النظر بين الطرفين، أدى إلى تعميق الهوة بينهما، وخلصت الدراسة إلى القول إنه على الرغم من أن التشخيص الإستراتيجي الذي تم عرضه في هذا السياق يؤكد على وجود واقع مرير، فيجب على إسرائيل اختيار الوسائل للرد على الوضع القاتم في العالم العربي وفي الشارع الفلسطيني عن طريق التأكيد على أن لها الحقوق التاريخية على أرض إسرائيل.

وفي العموم، فإن التسوية التي هي مطروحة وفق "مبادرة السلام العربية" الباحثة، (عبر التفاوض برعاية الولايات المتحدة)، عن تسوية تلبي الحد الأدنى من الحقوق العربية المغتصبة، وليس التاريخية، أي التسوية التي تضمن، وفقاً لقرارات "الشرعية الدولية"، استعادة الأراضي العربية والفلسطينية التي احتلتها "إسرائيل" في العام 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، وإيجاد "حل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، مقابل الاعتراف بوجود "إسرائيل" وتطبيع العلاقات العربية معها.

ومن المؤكد أن الوضع الحالي بالنسبة لبنيامين نتنياهو مريح له ولإسرائيل. وسيبقى نتنياهو مستمراً في إطلاق التصريحات التي تطالب عباس والسلطة بالجلوس على طاولة المفاوضات على الرغم من أنه يدرك، أن هذا الأمر لن يكون ممكناً في ظل عدم استجابة الولايات المتحدة لمطالب عباس، في تراجع واشنطن عن تفاهماتها مع إسرائيل حول المستوطنات، وأن يكون هناك إعلان صريح من جانب الإدارة الأمريكية يطالب إسرائيل بتجميد البناء اليهودي في القدس الشرقية، لذلك، فان نتنياهو معني بإطالة الوقت، ويتمنى أن يتمسك عباس بمواقفه ليحمله مسؤولية تعطيل المفاوضات المعطلة أصلاً...

وفي المقابل إن خِيَار المقاومة هو الذي أبقى القضية الفلسطينية حيَّةً، أمّا خيار التسوية، فهو الهزيمة بعينها.

اعلى الصفحة