اللوحة الرابعة: ملامح وأقلام

السنة الحادية عشر ـ العدد132 ـ ( محرم ـ صفر 1434  هـ ) كانون أول ـ 2012 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

ملاحظات أولية عن كتاب الألماني بيتر هاينه

الكتاب: الإسلام استنتاج وتفسير
الكاتب: بيتر هاينه.. ترجمة: أسامة الشحماني
الناشر: مؤسسة شرق غرب للنشر/ديوان المسار/بيروت

الترجمة هي الوجه الثاني لفعل الكتابة فكل مترجم يعرف من خلال تجربته ومعرفته ووعيه النقدي أنه لا يملك دائماً وبشكل دقيق كّل ما يكتبه وأنه يترجم كي يكتشف هذا الذي يجهله ونجهله . من هنا ينطلق عمل الترجمة من معرفة لغوية وجمالية دقيقة وواضحة وقد نتفق مع الفرنسي "جاك أنسيه" حين قال: (على المترجم أن يكون أذكى، بمعنى ما، من الكاتب) هذا على الأقل ما يراه الفرنسي أنسيه عندما يقارن عمله ككاتب بعمله كمترجم، من هنا يمكننا القول أيضاً إن للترجمة متعتها ونشوتها وتعقيداتها اللغوية واللفظية والرمزية إذ تصبح أقرب إلى الكتابة المعرفية في مراحلها الأولية.

عن مؤسسة شرق غرب للنشر/ديوان المسار/بيروت صدر للناقد والمترجم العراقي المقيم في سويسرا أسامة الشحماني كتاب الألماني بيتر هاينه/الإسلام استنتاج وتفسير، وقد جاء في مقدمة الكتاب ما يشير إلى نقطة في غاية الأهمية إذ يقول: (إن تضييق أفق النظر إلى الصراعات لا يسمح بالضرورة بأن يسلط الضوء على منظومة الإسلام الدينية والثقافية ويتولد الانطباع لدى المرء وكأن الإسلام لا يوجد غالباً إلا في مناطق التوترات) وأول عنصر يثير الجدل في هذه العبارات الدقيقة هو المعنى إذ أن الثقافة الإسلامية لا تُحسن إيصال المعنى الحقيقي للثقافة أو الفكر الإسلامي لأنها، في أغلب الأحيان، تصبح ذات طابع خاص وعرقي إضافة إلى أن الهوية الإسلامية ليست أمراً مسلّماً به، فهي تتجسد في فئات متغيرة عرقية أودينية، وهي، في الغالب، ليست سوى معلماً كغيره من المعالم فمثلا حين تنشب النزاعات في العالم غالباً ما يشير إلى الطابع الديني، خصوصاً الإسلامي، للنزاع وفي نفس الوقت يقوم البعض على إهمال طريقة تحديد الأشخاص المعنيين وبالتالي تحديدهم لأنفسهم في لعبة الهوية العرقية والدينية.

يعيش العالم اليوم إرهاصات فكرية متنوعة تمهد لاستقبال الفكر الإسلامي بطريقة جديدة، على الرغم من كل محاولات التشويه المتعمد، تحمل معها متغيراتها السياسية والاجتماعية والمعرفية والثقافية وبهذا سيكون لأي فكر إنساني دوراً مميزاً في صنع المستقبل، أقول صنع المستقبل لأن المستقبل الفكري يَضَعُ لبناته الأولى المفكرون والمثقفون، وصناعة المستقبل تستلزم استشرافاً معرفياً بعيداً عن التمترس وراء العقائد أو الهوية أو التعصب الديني وهذا الاستشراف بدوره يستلزم الاتكاء على الحوار والبحث الرصين المجرد والقراءة النقدية المغايرة لأي فكر والتطلع إلى الأفكار الفلسفية التي سادت العالم، فقراءة الفكر الإسلامي بجدية وعمق ومسؤولية أخلاقية، والمعرفة اليقينية المستبصرة تقودان حتماً إلى استشراف المستقبل استشرافاً جدياً وبنائه بناءً صحيحاً فعالاً وهذا ما أشار إليه المترجم (أسامة الشحماني) في تقديمه لكتاب (بيتر هاينه) إذ قال: (يعنى بيتر هاينه في كتابه هذا بتقديم أهم المفاصل التاريخية التي شكلت الحراك الفكري والسياسي والثقافي في الإسلام) من هنا أيضاً لا بّد من وقفة نقدية تأملية أخرى لهذه العبارات التي وضعها المترجم قائلاً: (تناول الإسلام بشكل متكامل غير مقصور على طائفة أو منظور معين/نجده يرد وفي غير موضع على التصورات الغربية الخاطئة عن الديانة الإسلامية واقعاً وتاريخاً/على إن هذا لا يقوده بالضرورة لتبني موقف المتضامن أو المتحمس) وعليه يمكن لنا القول أن ما يؤكده (بيتر هاينه) من خلال قراءتنا لهذه العبارات هو انه من الممكن التخلص من عقلية المستهلك التقليدي للثقافة الإسلامية والتحول إلى البحث عن فهم جديد يسير في إطار تطوير المعارف حول ثقافات العالم ولا خوف أن أخضعنا قراءتنا لواقع الثقافة الإسلامية لاتجاه أو آخر للتعريف بحقيقتها أو في نسبيتها، وهي حقيقة صراع فكري غير متوازن يلفنا ونحن في وسطه، إنه صراع عقائدي وثقافي واجتماعي، لكن في المقام الأول سياسي وهنا أو هناك بلا ريب دور متقدم لإدراك أكثر رهافة ودقة لواقع ثقافاتنا وإبراز الفوارق والخصوصيات على نحو غير تناحري، على نحو يحافظ على نظرة للمستقبل لا تعتبر فيها شعوب إنها حرة إذا استعبدت شعوباً أخرى، نظرة تحاول إرساء علاقات من نوع آخر بين الثقافات تتخلى فيها عن الغطرسة، نظرة تشدد على مصير مشترك للإنسان على مختلف انتماءاته الثقافية والدينية والحضارية . وأغلب الظن أن (بيتر هاينه) يوافقنا الرأي إذا طبقنا هذا الكلام وقلنا أن كتابه ليس نتيجة فكر وحسب بل هو جزء من أزمة الحوار بين ثقافة وأخرى وهي بالتالي أزمة القراءة النقدية المجردة التي تخضع لأهواء غير ثقافية أو معرفية.

إذا كان هذا الكتاب يستحق برأي أكثر من قراءة ومناقشة ومراجعة فلكونه يتصدى لمسألة الثقافة الإسلامية وبشكلها العام لكي نتوصل إلى أهم المرتكزات التي تحكم العلاقة بين ثقافة وأخرى، إضافة إلى أن هذا الكتاب يطرح علينا مشكلة الوعي النقدي المعرفي في عالم تغيب فيه قصدياً أية معطيات أولية عن المعرفة وخاصة لطرق العلاقة بين الثقافات التي هي ضرورية كمسلمات لبحث ودراسة هذه العلاقة وبالتالي لفهمها واستخراج تفاصيلها المتشعبة.

وأخيراً لا بد من تقييم جاد لجهد المترجم (أسامة الشحماني) فهذا الكتاب لا يخلو من تعقيدات لغوية تتعلق بالنص الأصلي، كأن في هذه الترجمة نوعاً من المغامرة لأن اللغة الألمانية محدودة الانتشار والكتب الألمانية المترجمة، قياساً للانكليزية أو الفرنسية والاسبانية، قليلة وبعيدة عن متناول القارئ العربي وإن كان لا بد من ثورة لغوية فإن طريقها قد تمر بمحطة اللغة الألمانية.

اعلى الصفحة