هل حسم الجيش الصراع السياسي في مصر؟

السنة الثانية عشر ـ العدد140 ـ ( رمضان ـ شوال 1434  هـ ) آب ـ 2013 م)

بقلم: محمود إسماعيل

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

بعد إزاحة الرئيس السابق محمد مرسي عن الحكم في مصر والانتكاسة التي أصابت " الإخوان المسلمين " في هذا الخصوص، يبقى السؤال التالي مطروحا دون إجابة: أي مستقبل لمصر على الصعيد السياسي في المنطقة؟

من الصعب الإجابة عن هذا السؤال في هذه المرحلة، بسبب تسارع الأحداث وعدم وصول المسائل المهمة إلى نهايتها، إن لجهة معرفة قدرة "الإخوان المسلمين" على الرفض والممانعة والرضوخ للأمر الواقع، أم لجهة الدور الإقليمي لعدد من الدول الخليجية التي سارعت إلى تقديم المليارات من الدولارات ثمنا لإسقاط "الإخوان"، أو لجهة قدرة القائمين حالياً على استلام الدفة السياسية في مصر، لإخراجها من مأزقها السياسي الراهن.

لكن، ما هو مؤكد، أن المؤسسة العسكرية المصرية بدت هي الأقوى واللاعب الأساسي في إدارة ملفات الأزمة العامة في البلاد. فالأنظار تتجه إلى ما ستقدم عليه هذه المؤسسة والقدرة على التحكم في مقاليد الأمور.

إن تسارع الأحداث في مصر عقب الإطاحة بمحمد مرسي وإمساك الجيش بزمام الأمور، فتح المجال واسعا أمام تكهنات عديدة خاصة وأن المواقف منقسمة إزاء توصيف ما جرى بين الانقلاب العسكري أو تصويب لمسار الثورة. إن صعوبة حسم هذه الإشكالية لا تقتصر على المصريين وحدهم انطلاقاً من كونهم إما معارضين أو مؤيدين لسياسة "الإخوان المسلمين" بل يتخطى حدود الدولة، ليطرح تساؤلات بشأن مصير المنطقة بأسرها ودول ما بات يعرف بالربيع العربي.

اللافت في الأمر هو الارتباك الذي أحدثه الجيش المصري لدى الإدارة الأمريكية وداخل الكونغرس لدرجة أن البيت الأبيض يتردد في اتخاذ موقف حاسم بشأن المساعدات الأمريكية لمصر. مساعدات يذهب معظمها للجيش منذ توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام ١٩٧٩، ولعل ما يبرر الارتباك الأمريكي هو ضرورة الالتزام بمنطق تفوق ديمقراطية الاقتراع، وكذلك التخوف من تكرار تجربة تولي حسني مبارك السلطة بعد اغتيال أنور السادات في عام ١٩٨١.

أسباب إزاحة مرسي عن الحكم وتجدد المظاهرات

في ٣٠ حزيران/ يونيو عام ٢٠١٢، أدى محمد مرسي اليمين الدستوري كأول رئيس مصري منتخب بعد حسني مبارك. كانت المهمة الأولى العمل على وضع دستور جديد لمصر، فكانت أول مواجهة بين مرسي ومعارضيه. حينها، اعترضت السلطة القضائية والجمعيات والقوى المدنية على بنود اعتبروا أنها تمثل رأيا حزبيا يقتصر على "الإخوان المسلمين" والسلفيين من دون سواهم.

كانت المواجهة الثانية هي الأكثر أهمية. ففي تشرين أول الماضي، أصدر مرسي إعلانا دستوريا قضى بتوسيع صلاحياته ومنحه حصانة قضائية. اعتبر معارضو مرسي  أن الخطوة شكل جديد من أشكال الديكتاتورية، فنزلوا إلى الشارع مرددين شعارات مناهضة لمرسي، وأحرقوا مقرات لحزب "الحرية والعدالة" المنبثق عن حركة "الإخوان المسلمين". اصطدم المتظاهرون مع أنصار مرسي وقوات الأمن، فوقعت اشتباكات أدت إلى مقتل وجرح العشرات. لكن الدماء لم تدفع مرسي إلى التراجع عن الإعلان الدستوري، بل أتبعه بالدعوة إلى استفتاء شعبي عن الدستور الجديد، فصبت هذه الدعوة الزيت على النار، لاسيما بعد طعن المعارضة بالجمعية التأسيسية لصياغة الدستور.

واصل مرسي تحدي معارضيه، فانطلق حوار غابت عنه أكبر القوى المعارضة، حيث عدل بموجبه الإعلان الدستوري، فرفضت "جبهة الإنقاذ" الإعلان الجديد، منطلقة ما أسمتها ثورة حقيقية ضد جماعة الإخوان المسلمين.

مع حلول الذكرى الثانية لثورة ٢٥ كانون الثاني/يناير، شهدت مصر موجة جديدة من العنف. على الرغم من ذلك، حدد مرسي موعد الانتخابات التشريعية في شهر نيسان/إبريل الماضي، ودعا إلى حوار جديد لبحث الضمانات اللازمة لنزاهة هذه الانتخابات. لكن المعارضة، وعلى قاعدة ما بني على باطل فهو باطل، قررت مقاطعة هذه الانتخابات.

أجرى مرسي تعديلات وزارية في أيار/مايو الماضي، إلا أن المعارضة اعتبرتها دون طموحات الشعب. وفي مطلع حزيران/يونيو، قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية مجلس الشورى والجمعية التأسيسية التي صاغت دستور البلاد، لكن الرئاسة المصرية تجاهلت مجدداً السلطة القضائية، معلنة أن مجلس الشورى سوف يظل يشرع حتى انتخاب مجلس نواب جديد.

إنها معركة الشارع مجدداً في مصر. ففي يوم النزول العظيم في ٣٠ حزيران/يونيو الماضي بدا المشهد مفتوحاً على كل الاحتمالات. فعلى وقع الانقسام الحاد في المواقف السياسية، بدأ المواطنون المعارضون لمرسي بالتوافد باكراً إلى ميدان التحرير، استعداداً للمشاركة بالتظاهرة الكبرى وصولاً إلى قصر الاتحادية.

مع تمسك كل طرف بمواقفه، أعلنت حملة "تمرد" المعارضة أنها جمعت أكثر من ٢٢ مليون توقيع على استمارتها المطالبة بسحب الثقة من مرسي، وهي تضع هذه التوقيعات تحت تصرف المحكمة الدستورية العليا لكي يتولى رئيسها إدارة شؤون البلاد، وفقا لهذه التوقيعات التي تبلغ ٥٠ % من عدد الناخبين المصريين.

في المقابل، أكد "الإخوان المسلمون" عزمهم الدفاع عما أسموه الشرعية مهما كلف الأمر. على أثر ذلك، شهدت مختلف الميادين المصرية مظاهرات حاشدة، وخاصة في ميدان التحرير فاقت كل التوقعات، في مشهد ذكر بالتجمعات الكبيرة خلال الثورة المصرية، ولكن هذه المرة، للتنديد بما يصفه المعارضون بحكم " الإخوان " والمطالبة برحيل النظام وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

أما في الجانب الآخر، أمام مسجد رابعة العدوية، فقد أعلنت القوى والتيارات المؤيدة ل " الإخوان المسلمين " عن النفير العام، حيث حشدت تظاهرات رفعت شعار (الشرعية خط أحمر) مطالبة باحترام شرعية مرسي وباستكمال فترته الرئاسية.

خطر الانزلاق إلى حرب أهلية في مصر

لم يختلف المشهد في الشارع المصري في الفترة الأخيرة عما كان عليه طوال العام المنصرم. فالانقسام الحاد الذي أبرزته نتائج الانتخابات الرئاسية ازداد عمقاً واتساعاً، حتى إن مرسي نفسه اعترف به في خطابه المطول.

لكن مرسي لم يتمكن من معالجة هذا الانقسام على الرغم من أنه يعتبر من أولى مسؤولياته، بل إنه أضاف إلى هذا الانقسام وكرسه، بدليل أنه كان من المتوقع قبل خطابه المذكور أن يتقدم بمبادرة من شأنها اجتذاب معارضيه لإجهاض التحرك في ٣٠ يونيو ضده، إلا أنه لم يأت بأي جديد، بل هبط بالرئاسة إلى مستوى مهاجمة أشخاص معينين من سياسيين ورجال أعمال وإعلاميين.

صحيح أن مرسي جدد الدعوة إلى الحوار، واقترح لجنتين للمصالحة والتعديلات الدستورية، إلا أن انهيار الثقة، بل انعدامها بينه وبين المعارضة، جعل الأخيرة ترفض كل عروضه، معللة أسباب رفضها إلا أنه لم يعبأ بهذه الأسباب وأهمها : تشكيل حكومة وحدة وطنية، التوافق على الدستور وقانون الانتخاب، استبدال المدعي العام، والفصل بين الرئاسة ومكتب الإرشاد الذي تتحكم جماعة " الإخوان المسلمين " من خلاله بالحكم وقراراته.

كانت جماعة "الإخوان المسلمين" تخشى من أي تنازل لصالح المعارضة قد يشكل خسارة كبيرة للإستراتيجية التي تنتهجها للتحكم بمفاصل الدولة. لذلك، فضلت المواجهة في الشارع معتبرة أنها في حال دفاع عن الشرعية، باعتبار أن مرسي رئيس منتخب وفقا لقواعد الديمقراطية. لكن هذه الشرعية تآكلت، خاصة وأن حصيلة عام كامل لهذه الرئاسة لم تكن إيجابية على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

كانت المعارضة تهدف من وراء التظاهرات حمل مرسي على الاستقالة للذهاب إلى انتخابات رئاسية مبكرة. وبطبيعة الحال، فإن الحشد والتجييش في الشارعين الموالي والمعارض كانا ينذران بشتى أنواع المخاطر، ولاسيما الانزلاق إلى الحرب الأهلية التي حذرت مؤسسة الأزهر منها مجدداً.

أما حملة "تمرد" فهي شكل مبتكر من أشكال المعارضة ضد حكم مرسي، والتي لاقت قبولاً لدى العديد من المصريين الذين كانوا قد أعطوا أصواتهم لمرسي خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة. لقد التقطت الأحزاب السياسية، ومن بينها "جبهة الإنقاذ الوطني" طرف خيط "تمرد"، فراحت تحشد باتجاهه، بغض النظر عن شعبية هذه الأحزاب في الشارع المصري.

القوات المسلحة المصرية تعزل محمد مرسي

تدخلت القوات المسلحة المصرية في الصراع الذي كان يدور في البلاد بين السلطة التي كانت قائمة بقيادة جماعة "الإخوان المسلمين" والمعارضة التي بدأت احتجاجات تدعو إلى تنحي مرسي وإجراء انتخابات مبكرة. ففي رسالة صوتية، عكست القلق المتصاعد من تطور الأزمة، دعت القوات المسلحة المصرية إلى الاستجابة لمطالب الشعب خلال مهلة ٤٨ ساعة، وإلا فإنها ستتخذ الإجراءات الكفيلة بحماية حقوق الشعب ومواجهة الخطر الذي يتهدد الأمن القومي المصري.

بيان القوات المسلحة المصرية الذي جاء عقب التظاهرات المليونية التي اجتاحت شوارع وميادين المحافظات المصرية كافة، سبقه استقالة عدد من الوزراء، من بينهم وزير الخارجية محمد كامل عمرو.

بلغت الأزمة ذروتها بعد إنذار القوات المسلحة. وبذلك، يكون الجيش المصري قد انحاز عمليا إلى الشعب، لكنه لم يتجاوز الشرعية كلياً، إذ إنه كان قد أعطى مرسي فرصة أخيرة لتقديم تنازلات جوهرية لإنقاذ الوضع، بل حدد له التوجه المطلوب وذلك بمشاركة الآخرين من دون استبعاد لأحد، وهو ما رفضته جماعة "الإخوان المسلمين" طوال العام المنصرم.

رد الرئيس المصري السابق محمد مرسي على بيان القوات المسلحة بالتحدي، متمترساً وراء الشرعية والدستور، منهياً يوماً آخر من الاضطراب والتوتر. وهكذا، اتجهت الأزمة المصرية إلى مزيد من التصعيد خصوصاً أن جماعة "الإخوان المسلمين" وحلفاءها دعموا مرسي لتجاهل المهلة التي كانت المعارضة قد حددتها، بل وتلك التي حددها الجيش المصري.

دخول الجيش المصري بقوة على خط الأزمة المحتدمة، خلط الأوراق وزاد حدة المواجهة بين "الإخوان" والرئاسة من جهة، والمعارضة بكل قواها من جهة أخرى. وفي رسالة واضحة، نشر الجيش المصري للمرة الأولى، صوراً جوية تظهر حجم المشاركة المليونية التي ميزت التظاهرات في مختلف الميادين والمحافظات والتي وصفها الجيش بأنها الأضخم في تاريخ البلاد.

خرجت التظاهرات تحت شعار "مليونية الإصرار" من مختلف ميادين ومساجد القاهرة نحو ميدان التحرير وقصري الاتحادية والقبة، وسط إجراءات أمنية مشددة اتخذتها القوى الأمنية على الأرض وفي الأجواء. مشهد العاصمة انسحب على باقي المحافظات المصرية، فاحتشد عشرات الآلاف في الإسكندرية معبرين عن تأييدهم لبيان الجيش، كما جرت تظاهرات حاشدة في مدن سويس وطنطا والمنصورة ومحافطتي الشرقية والغربية. أما جماعة "الإخوان المسلمين" فقد وصفت الوضع بالانقلاب العسكري على الشرعية والنظام.

دور الجيش المصري في الحياة السياسية

تذكر مصادر تاريخية أن أول وأقدم جيش نظامي في العالم تأسس قبل ٧ آلاف سنة كان في مصر. بل إن البعض يقول إن تأسيس الجيش سبق نشوء الدولة المصرية الحديثة.

تعتبر القوات المسلحة المصرية عاشر أكبر قوة عسكرية في العالم، وتصنف على أنها الأقوى والأكبر عربياً وأفريقياً، إذ يبلغ تعدادها ما يزيد عن ٤٠٠ ألف جندي. يرتبط الجيش المصري بتعاون عسكري وثيق مع الولايات المتحدة الأمريكية لاسيما منذ بداية السبعينيات. لطالما لعب الجيش المصري دوراً هاماً وحاسماً في العملية السياسية في مصر، بل إنه يعتبر صاحب اليد العليا والقول الفصل إذا ما احتدمت الأزمات.

تأسس النظام الجمهوري في مصر بفعل ثورة ٢٣ تموز/يوليو التي قادها الضباط الأحرار عام ١٩٥٢ ضد الحكم الملكي. ومن هنا، كانت بداية دخول العسكر في عالم السياسة وتولي إدارة شؤون البلاد. لقد أتت الثورة بالعسكري الأول إلى سدة الرئاسة، أي اللواء محمد نجيب، خلفه الضابط جمال عبد الناصر عام ١٩٥٦، ثم العسكري أنور السادات عام ١٩٧٠.

خلال الحكم الساداتي، أبعد العسكر عن السياسة مقابل امتيازات اقتصادية، فشكلت تحولاً فعلياً في دور المؤسسة العسكرية التي أصبحت منذ ذلك الحين جزءاً أساسياً من الاقتصاد المصري.

بعد اغتيال السادات، خلفه نائبه حسني مبارك، الضابط التيار عام ١٩٨١ الذي استمر في الحكم حتى تنحيه في شباط/فبراير عام ٢٠١١ تحت ضغط ثورة ٢٥ يناير. حتى بعد الثورة، فقد عين العسكري السابق الفريق أحد شفيق رئيسا للوزراء حتى تاريخ ٣ آذار / مارس عام ٢٠١١. من الناحية العملية، يعد الرئيس السابق محمد مرسي المدني الأول الذي وصل إلى سدة الرئاسة في مصر.

مع انطلاق ثورة ٢٥ يناير، وبلوغها نقطة اللاعودة، تدخل الجيش لصالح الثورة. ومع تنحي مبارك في ١١ شباط/فبراير ٢٠١١ ، وصولا إلى ٣٠ حزيران/يونيو ٢٠١٢، قامت المؤسسة العسكرية بدور استثنائي خارج مهامها عبر المشير محمد حسين طنطاوي الذي كان على رأس ما يسمى بـ"المجلس العسكري".

مع تولي مرسي الرئاسة، بدأت مرحلة من المد والجزر بين الرئيس المدني والمجلس العسكري، انتهت مع قرار الرئيس إحالة المشير طنطاوي وقائد الأركان الفريق سامي عنان على التقاعد في شهر آب/أغسطس من العام نفسه.

إذا، إن خروج المؤسسة العسكرية الأول إلى دائرة الضوء السياسية والثاني في آخر أيام مبارك، عندما رفض الجيش حماية النظام. أما الخروج الثالث، فقد تم مع صدور بيان الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع. في حال قيض للجيش قيادة مرحلة انتقالية في مصر، تكون تلك هي المرة الثانية التي يقوم بها بهذا الدور منذ ثورة ٢٥ يناير/كانون الثاني ٢٠١١.

مرحلة ما بعد مرسي

تستعد مصر لمرحلة سياسية دقيقة، رسمت المؤسسة العسكرية ملامحها بعناية تضمن إمساكها بتفاصيل المشهد الداخلي دون أن تتهم بإخضاع البلاد للحكم العسكري، وبأنها مارست فعل الانقلاب على الشرعية.

الوصفة العسكرية الناشئة لم تأت بجديد عما سبق وحصل بعيد ثورة يناير، برغم الاختلاف التي فرضته الظروف السياسية القائمة وتغير أطراف النزاع.

أما خارطة الطريق التي أعلن عنها وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي فقد دخلت مرحلة التنفيذ العملي، ولاسيما البند الأول منها، أي تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، والبند الثاني وهو تأدية رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة، وصولا إلى قيام الأخير بإدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس جديد.

على أهمية ما تم حتى اللحظة، فإن المتبقي شائك ومساره رهن بالتفاهم بين المؤسسة العسكرية والقوى السياسية، لاسيما تلك التي أصبحت معارضة مع عزل الرئيس محمد مرسي.

لقد ورد في خريطة الطريق التي تحتاج إلى أكثر من نصف عام للانتهاء من مراحلها الأساسية تشكيل لجنة تضم كافة الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذي تم تعطيله مؤقتا، وقيام المحكمة الدستورية العليا بإقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب، والبدء بإجراءات الانتخابات البرلمانية.

يرى البعض أن التغيير الكبير الذي عصف بأرض الكنانة لن تقتصر آثاره على المساحة الداخلية المصرية فقط . فهذه الآثار والاستعدادات يصح معها السؤال التالي : أهو سقوط لرئيس أم لمشروع؟ وهل هو سقوط لإخوان مصر أم لأجندة أمريكية تركية قطرية؟ الأسئلة لا تنتهي عن مصر أم الدنيا، والتي أشعلت بثورتها قبل أكثر من سنتين ربيعاً ملتهباً طالت نيرانها المشرق العربي وما تزال. اليوم، يطرح السؤال عن الخاسرين والرابحين على الساحة العربية والدولية، فهناك من يقول إن ٣٠ حزيران/يونيو طوى صفحة إلى غير رجعة.

التجربة المصرية عربياً وأمريكياً

مرحلة جديدة دخلتها الحياة السياسية في مصر، مع تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة حازم الببلاوي، وأمامها تحديات أساسية أبرزها إجراء مصالحة وطنية، والوضع الأمني المتدهور، لاسيما في سيناء.

في نهاية المطاف، كان ٣٠ حزيران/يونيو ٢٠١٣ استكمالا لـ ٢٥ كانون الثاني/يناير ٢٠١١، إذ ما كان لإسقاط النظام السابق أن يكتمل إلا بإسقاط نظام "الإخوان المسلمين"، فالأول لم يستطع إرضاء المجتمع المصري، والآخر لم يعبر عن حقيقة هذا المجتمع. أما دور الجيش بينهما، فبدا كطرف وحيد يستطيع ضمان الأمن والحفاظ على الاستقرار.

خلال عام كامل من حكم الإخوان، أظهر هؤلاء إصراراً على التسلط والاستحواذ أكثر من اهتمامهم بالإدارة الكفوؤة للدولة والحكم. على الرغم من اعترافهم بأنهم لا يتمتعون بالخبرة ولا يملكون الكوادر الجاهزة للعمل، فإنهم مارسوا سياسة الإقصاء للآخرين بمن فيهم بعض الذين انتخبوا محمد مرسي.

لا شك أن دروس الموجة الثانية، ولعلها الأخيرة من الثورة المصرية، تحمل دروسا للبلدان العربية الأخرى. فالدرس الأول، إن التجربة الديمقراطية لا تقتصر على صناديق الاقتراع، والثاني، إن الشرعية ليست تفويضاً إلهياً على بياض، بل تخضع لمعايير الإنتاج والإنجاز والكفاءة. والثالث، إن عودة العسكر إلى المشهد لها إيجابيات وسلبيات. فمن جهة، كان لا بد من تلبية مطالب الشعب. ومن جهة أخرى، ينبغي ألا يغرق الجيش في تفاصيل المرحلة الانتقالية الثانية، وإلا فإن حركته الأخيرة ستتخذ طابع الانقلاب الدائم. كان لافتاً أن أولى التهاني للحكم الجديد في مصر جاءت من السعودية والإمارات اللتين لم تخفيا ضيقهما من نظام "الإخوان"، الذي كان قد أوشك على ترسيخ هيمنته على مصر. أما قطر، التي كانت قد جاهرت بانحيازها ل "الإخوان" وحكمهم، فاضطرت قيادتها الجديدة لأن تعلن تأييدها لإرادة الشعب المصري.

أما العالم الغربي، فتأرجح بين مفهومه للديمقراطية ودعمه للرئيس المنتخب وبين اعترافه بالأمر الواقع الذي فرضته قوة الشارع المصري. من المؤكد، إن الولايات المتحدة خسرت رهانها على الإسلام المعتدل، الذي اعتقدت خطأ أن جماعة "الإخوان المسلمين" هي التي تمثله. وإذا كانت تلح الآن على العودة إلى الدولة المدنية، فهذا هو بالضبط ما تسعى إليه المرحلة الانتقالية الجديدة في مصر.

تتزايد المخاطر في الأزمة المصرية بين انزلاق إلى العنف وتعثر في الانطلاق نحو عملية سياسية، وفقاً لخريطة الطريق التي عزل الرئيس محمد مرسي بسبب رفضه تبنيها. يتضح من الهجوم التي شنته عناصر مسلحة من "الإخوان المسلمين" على نادي الحرس الجمهوري أن هذه الجماعة تبنت نهائيا خيار العنف، وهي تنتقل من تصعيد إلى تصعيد بغية استفزاز القوات المسلحة واستدراجها إلى حرب أهلية أو إلى التراجع عن الإجراءات التي اتخذتها، وذلك بإعادة الرئيس المعزول إلى منصبه.

إن فشل الرئيس السابق مرسي تسبب لـ"الإخوان" بخسارة الحكم، إذ أن عدم الاعتراف بالفشل والإصرار على مواصلة الضغط في الشارع، وحتى استخدام السلاح، قد يؤدي إلى إفشال حركة الجيش وعجزه عن إدارة الأزمة، وهو كمؤسسة رئيسية في  البلاد لا يحتمل مثل هذا الفشل.

تعتقد بعض المصادر أن الحراك الذي تخوضه جماعة "الإخوان" يتعمد الصدامات الدموية للحض على تدخل خارجي، أو بالأحرى أمريكي، للضغط على الجيش، لكنه يرمي إلى شد عصب الجماعة خاصة بعد الزلزال الذي عصف بها وجعلها تنظيما فاشلا ومكروها. إن استعداء "الإخوان" للمؤسسة العسكرية والإفتاء بمقاتلتها سيفاقم خسائر هذه الجماعة ورفض الشعب المصري لوجودها على الساحة السياسية.

تبدو جماعة الإخوان المسلمين في الامتحان المصري حائرة ومحيرة وعلى مفترق طرق في الخيارات، فهي لا تستطيع الاستمرار في الخيار الخاطئ الذي أسقطه الشعب المصري، وهو رهان بعد ثورة ٢٥ يناير على حكم " الإخوان المسلمين "، الذين التزموا قبل الوصول إلى السلطة وضمنوا خلال عمرها القصير المصالح الحيوية الأمريكية، وهي قليلة الحذر والبطء في اتخاذ الخيار الصحيح بعد ثورة ٣٠ يونيو التي طوت صفحة الحكم الإخواني الفاشل في حاضر مصر ومستقبلها ودورها في العالم العربي.

تبدو مصر الآن قريبة من السيناريو السوري كما لم تبدو في أي لحظة من قبل، فعلى الرغم من اختلاف الموقفين والحالتين بدأت مصر تشهد صدامات بشرية بالسلاح وتعد القتلى بالعشرات والمصابين بالمئات. الصدامات البشرية بين المصريين بالسلاح تشمل المدنيين والعسكريين، ولم يبق إلا أن نسمع عن تفجيرات كبيرة تهدم المباني المدنية والحكومية.

بات من الصعب ضمان الاستقرار في بلد يتوجه يوما بعد آخر نحو التصعيد وتصلب المواقف. لقد تعلم المصريون الدرس الذي مفاده أن مصر لا يمكن حكمها من طرف "الإخوان المسلمين" وحدهم، كما أن البلاد لا يمكن حكمها بدون "الإخوان المسلمين"، وقد يتطور ذلك إلى درس دموي لاسيما في أعقاب ذلك اليوم الدامي الذي فتح فيه الجيش النار على متظاهرين مؤيدين لمرسي في حادثة نادي الحرس الجمهوري. فإن قسماً من الشعب المصري يرى نفسه ضحية انقلاب عسكري، أما القسم الآخر فيعتبر نفسه أنه يدافع عن الجيش كمنقذ للأمة.

اعلى الصفحة