لحظات العمر رأسمال المؤمن
كيف يمضي المؤمن يومه؟؟

السنة الثالثة عشر ـ العدد 150 ـ ( شعبان 1435 هـ)حزيران ـ 2014 م)

بقلم: الشيخ وسام صقر

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

قال الله تعالى في كتابه المجيد: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات/56).

لا شك أن العبادة هي الغاية القصوى لكل من التكوين والتشريع حيث أنه سبحانه خلق وأرسل إليهم رسله بعد ذلك ليعبدوه والعبادة موجبة لاستكمال النفوس حيث أن الغاية من التكوين والتشريع هي استكمال النفس بالعبادة، العبادة التي هي في مفهومها الواسع والذي لا تخرج عن إطاره صغيرة ولا كبيرة في طريق الكدح الإنساني الطويل، وهكذا تكون حياة الإنسان عامرة بالعبادة، فهو على صلة بالله تعالى لا تنقطع.

بيد أن الإنسان أحوج ما يكون إلى أنماط من الصلة بالله تعالى تكون فيها الروح هي الحاضرة بالدرجة الأولى بعيداً عن معترك الحياة وشجونها وشؤونها، فالروح تسمو في أجوائها الخاصة وتتألق حيث تتراجع مصالح الجسد الآنيّة والعاجلة.

من هنا كانت العبادات الخاصة التي أوجبتها الشريعة السمحة بمثابة الفرص النموذجية لتألق الروح وتساميها وتكاملها لاستجماع البصيرة وشحذها بمزيد من الطاقة اللازمة لدفعات الحياة اللاحقة.

وبالعودة إلى أجواء الآية المباركة نجد أفكاراً نيرة لعلماء الإسلام ومضت في سمائها حيث يقول ابن حزم في المحلى ج 7:" فصح يقيناً أنهم مذ خلقوا مأمورون بعبادة الله تعالى وصح بما قدمناه من السنن القاطعة أنه لم يبعث إليهم نبي من الإنس قبل محمد (ص) والجن ليسوا قوم أحد من الأنس فصح يقيناً أنهم بعث إليهم أنبياء منهم".

وقال الشريف المرتضى في رسائله ج3، في قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ أنه تعالى أضاف العبادة إلى الخلق فلو كانت مخلوقة فيهم أضافها إليه تعالى لا إليهم هذا أولاً، وثانياً: إن هذا القول يقتضي أن غرضه في خلقهم أن يعبدوه، لأن اللام في قوله تعالى ليعبدون هي لام الفرض بدلالة قولهم جئتك لتكرمني وقصدتك لتنفعني. وقال الشيخ الطوسي "رحمه الله" ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ معناه أراد منهم العبادة لأن اللام لام الفرض لأنها لو كانت لام العاقبة لكن كذبا لوجودنا كثيراً من الجن والإنس غير عابدين لله تعالى.

أما الشيخ الجواهري فذهب مذهباً آخر في كتابه جواهر الكلام ج 29، حيث يقول: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ المراد بها كما في الحديث "البحار ج5 ص 312" المعرفة فيكون تفسير الآية كما يلي: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إلا ليعرفون وذلك لأن الآيات والمتواتر من الروايات دلت على علو مرتبة العلم وارتفاع شأنه بحيث لا تساويه فضيلة ولا تدانيه مرتبة حتى قرنت شهادة أولي العلم بشهادة الله وشهادة الملائكة (سورة آل عمران 3- الآية 18)، وحصر الخشية التي هي أصل العبادة في العلماء وفضل مداد العلماء على دماء الشهداء ونوم العالم ليلة على عبادة سبعين سنة، بل ورد أن العلماء أحب الناس إلى الله وأنهم ورثة الأنبياء وخلفاؤهم وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به. وإن العالم يستغفر له من في السماوات والأرض، حتى الطير في الهواء والحيتان في البحار، إلى غير ذلك من الفضائل التي لا تحصى كثرة على وجه لا يقطع ذو الفطرة السليمة الواقف على تمام ما ورد في فضيلته وإيثاره على كل طاعة. انتهى كلامه (رض).

وأما السيد عبد الله الجزائري (قدس سره) فيقول: "إنما خلق الإنسان للعبادة، وغايتها تحصيل محبة الله تعالى له بحيث يكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به فينبغي له استغراق الأوقات بالعبادة ظاهراً وباطناً توسعاً إلى السعادة التي لا سعادة فوقها، وذلك بأن يذكر الله في مجامع أحواله كلها رجاء الفلاح كما قال تعالى في غير موضع من كتابه العزيز: ﴿وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾ (الأنفال/45).

نهار المؤمن

ففي النهار يشتغل بعد صلاة الفجر إلى الإشراق، وهو ساعة طلوع الشمس بالأذكار والأدعية المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام، لازماً هيئته في الصلاة ومكانه الذي أدَّى فيه الفرض في المسجد أو غيره، إلا أن يخاف في المسجد مداخلة الرياء فيبطل عمله أو التشويش فينقص بسبب ما يفوته من حضور القلب فالأولى حينئذٍ أن يرجع إلى بيته ويلزم زاوية للخلوة بنفسه، حذراً من الرياء أمام أهل بيته وتشويشهم.

وبهذا يُجمع بين ما يدل على أن العبادة في المسجد أفضل وكذا التعقيب في محل الصلاة، وبين ما يدل على أن الأسرار بالتطوعات أفضل، ولا يتكلم في أثناء تعقيبه لغير ضرورة فإنه يضر بالتعقيب ما يضر بالصلاة.

ويشتغل بها بعد العصر إلى المغرب كذلك، فورد الأمر بالذكر في الوقتين قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾(الإنسان/25). على أن المراد بالبكرة أول النهار دون الساعة التالية للإشراق والأصيل آخر النهار، وقال سبحانه: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ (طه/130). وقال عز وجل ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ﴾ (غافر/55). والعشي أيضاً آخر النهار وفي الحديث القدسي: " يا ابن آدم اذكرني بعد الفجر ساعة وبعد العصر ساعة أكفك ما بينهما".

وعن النبي(ص): "أيما امرئ مسلمٍ جلس في مصلاه الذي صلى فيه الفجر يذكر الله حتى تطلع الشمس، كان له من الأجر كحاجّ بيت الله" وفي رواية أخرى "ستره الله من النار".

علم وعمل

ثم بعد الفراغ من ذلك يشتغل أهل الأشغال بأشغالهم، فالعالم والمتعلم المتجردّان لهما بالعلم النافع، وهو علم والآخرة ومقدماته، فورد أن طلبه فريضة على كل مسلم وأن الله يحب بُغاته وأنّه يرجحُ مدادُ أهله على دماء الشهداء، وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالبيه،  وأنه أفضل من ألف ركعة، وشهود ألف جنازة، وعيادة ألف مريض، وقراءة القرآن.

والمشتغل بأمور الناس كالقاضي، والمفتي، والوالي، ومن يرتبط بهم كالكاتب والمُحتسب والمحاسبة، أو بأمور نفسه كالكاسب والأجير وغير ذلك من المقصود والممكنة.

مراعياً شروطها المعتبرة في الشرع، ذاكراً لله تعالى بقلبه في أثنائها، فإنه غير منافٍ لاشتغال الجوارح، محضراً قلبه ما مدح الله به قوماً من الصالحين بذلك، بقوله: ﴿رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ﴾(النور/37). قاصداً في كسبه على قدر الحاجة، أو إعانة المؤمن أو المؤمنين بالخيرات العامة، متفرغاً في فاضل الوقت للعبادة والراحة، وأما غيرهم من اللذين لا شغل لهم، يشتغلون بغيرها من محاسن الأحوال المعد مرده من العبادات كعيادة المريض، وتشييع الجنازة وقضاء حاجة المؤمن وحضور مجلس العلم وزيارة القبور والمزارات المتبركة، وقراءة القرآن، وإماطة الأذى عن الطريق، إلى غير ذلك، وإياهم والاشتغال بالملاهي والمخازي التي يقود إليها الفراغ، لاسيما إذا انضمت إليه الجِدَة (التمكن المادي)، فإن انضم إليها الشباب كان الداء العضال، ومن وجد في نفسه من البطّالين ضعفاً عن الانضباط عنها، فليكثر النوم فإنه أحسن أحواله، ورد أن الناس ثلاث: غانمُ، وسالمُ، وخاسرُ، فمن لم يكن غانماً فلا يكن خاسراً، ومن عجز عن الغنيمة فليطلب السلامة بالهزيمة وفي يقظته يشتغل أيضاً بنحو المشاعرَة ومطالعة كتب التاريخ ونحوهما مما يلهيه عن الكذب، والغيبة والنميمة وغيرها مما امتلأت به مجالس هذا الزمان، جعلنا الله تعالى وإياكم من شرهما في آمان.

ليل المؤمن

وفي الليل يحافظ على وظائف ما بين العشائين من الأذكار والنوافل وغيرها وهو إحدى ساعتي الغفلة وعلى قيامه بالتهجد، فقد مدح الله قوماً بذلك في غير موضع من القرآن، كقوله عز وجل: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾(الزمر/9). وفسر في حديث أبي جعفر (ع) بصلاة الليل، وفي قوله سبحانه في الأخبار عن عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً﴾(الفرقان/64)، وفي الحديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر" وفيه: "الوتر في كتاب عليّ واجب" والظاهر أن المراد به الركعات الثلاث كما هو الشائع في الأخبار وكلام المتقدمين ويعبّرون عن الأخيرة بمفردة الوتر، وورد عن أبي عبد الله عليه السلام أن: "البيوت التي يُصلى فيها بالليل بتلاوة القرآن تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض، وورد في فضل صلاة الليل عن أبي عبد الله(ع): "أنها تبيض الوجه، وتطيب الريح، وتجلب الرزق" وفي حديث آخر عنه عليه السلام أيضاً: أنها تحسن الخلق وتقضي الدين، وتذهب بالهَّم  وتجلو البصر". وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "قيام الليل مصحة للبدن ورضا للرب وتمسك بأخلاق النبيين وتعرض للرحمة".

وبالجملة فضل قيام الليل من ضروريات الدين، وأدناه قبل طلوع الصبح وأداء الثلاث عشر ركعة: ثمانٍ الليل وثلاث الشفع والوتر، وركعتي الفجر والأوَّلى الإتيان بقراءتهما والاستغفار في قنوت مفردة الوتر سبعين مرة لنفسه، ثم لأربعين مؤمناً من إخوانه فصاعداً، يسميهم بأسمائهم ثم يستغفر الله ويتوب إليه سبعين، والمائة أكمل، وليحفظ العدد كما سبق مع الأدعية المأثورة قبل الشروع وفي الأثناء، والقنوتات كثيرة وهي مذكورة في مظانها.

ولا يكابد- أي لا يقاس الكَبَد بالفتح وهو الضيق والشدة - بقيام كل الليل، فيمنع العين حقها، ففيه تعبد الملال المُخَّدر عنه، وورد في الحديث أن أثمه أكبر من نفعه، لأنه ينجر إلى الترك فإذا غلبه النوم فليرقد وإن لم يكمل وزده، فإذا انكسرت شره النفس فليمد إليه، وقد ورد في النبوي بألفاظ متقاربة: "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تبغض إليك عبادة الله، إن المنبت(يعني المفرط) لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع" وفي آخر: "تكلفوا في الدين ما تطيقون".

وإذا وجد في نفسه خِفَّة في النهار، فليقضِ ما فاته من نوافل الليل ولا يخرج من منزله ليلاً، إلا لحاجة مهمة وليُسرع العود، وينبغي أن يكثر البكاء من خشية الله، فقد ورد عن النبي(ص): "حُرمَّت النار على ثلاث أعين" وفي الكافي والخصال: " كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاثة أعين: عين سهرت في سبيل الله وعين غضَّت عن محارم الله، وعين بكت من خشية الله"  وعن أبي عبد الله عليه السلام: "ما من شيء إلا وله كيل ووزن إلا الدموع فإن القطرة تطفئ بحاراً من نار". وعنه عليه السلام: "إن لم يجئك البكاء فتباكَ، فإن خرج منك رأس الذباب فبخٍ بخٍ".

دون أن يُكثر من الضحك فهو يميت القلب كما في حديث أبي عبد الله(ع) وفي آخر الدين ويذهب بالنور وبماء الوجه، ويمج الإيمان مجاً ويترك الرجل فقيراً يوم القيامة، وقد ورد في التنزيل: ﴿فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً﴾ (التوبة/82). وفي الخبر: "لا تبديَّن عن واضحة، وقد عملت العمال الفاضحة".

آداب العطس: ويحمد الله ويصلي على النبي وآله (ص) إذا عطس أو سمعه ولو في أثناء الصلاة، وعن أبي عبد الله الصادق: " من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال: "الحمد لله رب العالمين كثيراً كما هو أهله وصلى الله على محمد وآله الطاهرين"، ويخفض صوت العطاس ما أمكن، فالتصريح بح حُمق، وعن أبي عبد الله الصادق (ع): في قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ (لقمان/19)، قال: العطسة القبيحة. وفي آخر، كان رسول الله (ص) إذا عطس يغض صوته ويستتر بثوبه أو يده.

التثاؤب: ويستر الفم باليد عند التثاؤب، ففي الحديث النبوي: "التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكُم فليضع يده على فمه، فإذا قال آه.. آه فإنه الشيطان يضحك من جوفه". ويلقي البزاق في جهة اليسار أو تحت القدم اليسرى دون القبلة أو اليمين لمنافاته التعظيم.

الجلوس: ويستقبل القبلة في الجلوس فهي عبادة ومن السّنة وكذا في التوجه وفيه قوة البصر وتجنيب الشمس ويقصد إلى أن يجلس موضعاً أقرب إلى التواضع منه إلى التكبر أو من موضعه المرتب فيه عادة، وإذا دخل على قوم فحيث يجد متسعاً، ولا يفرق بين اثنين متلاصقين، ولاسيما إذا كانا متحادثين، ولا يقيم أحداً ليجلس مكانه فالسابق أولى ويحيي بالسلام. 

اعلى الصفحة