الصهيونية و"الترانسفير": التأصيل والممارسة

السنة الثالثة عشر ـ العدد 155 ـ (محرم 1436 هـ) تشرين ثاني ـ 2014 م)

بقلم: ازدهار معتوق(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

أشار استطلاع أجري سنة 2002 ضمن "مشروع الأمن القومي والرأي العام الإسرائيلي" في "مركز يافيه للأبحاث الإستراتيجية" في جامعة تل أبيب (أصبح اسمه لاحقاً "معهد أبحاث الأمن القومي")، إلى أن مؤشرات الانزياح يميناً تكمن ضمن أشياء أخرى في ازدياد تأييد الإسرائيليين لمشاريع حلول الترانسفير ضد الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية وقطاع غزة أو داخل تخوم ما يسمى "الخط الأخضر"، حيث أيّد 46% من منهم تطبيق الترانسفير ضد الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وأيّد 31% تطبيقه ضد الفلسطينيين في الداخل.

غير أن الأستاذ الجامعي الإسرائيلي آشير أريـان أكد أن هذا النمط من التفكير لدى الإسرائيليين ليس جديداً كل الجدة، فقد أظهر استطلاع سنة 1991 من الفصيلة نفسها نسبة تأييد للترانسفير ضد الفلسطينيين ليست أقل كثيراً، حيث أيّد 38% من الإسرائيليين تطبيق الترانسفير ضد الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وأيّد 24% تطبيقه ضد الفلسطينيين في إسرائيل. ولفت إلى أن سبب ذلك راجع، في جانب ما، إلى تأصل فكرة الترانسفير في تفكير الحركة الصهيونية، كما في ممارستها الميدانية.

كما يورد الذين يعزون معاودة طرح فكرة الترانسفير إلى الوقائع التي تلت الانتفاضة الفلسطينية، أن من مؤشرات الانزياح يميناً دخول الحزب الإسرائيلي الذي يتبنى علناً برنامج الترانسفير بزعامة الوزير المقتول رحبعام زئيفي كطرف فاعل في الائتلاف الحاكم الذي تزعمه أريئيل شارون سنة 2001، ما أضفى شرعية علنية على هذا الموضوع.

غير أنّ زئيفي نفسه سبق له أن أكد أنه استقى فكرة الترانسفير من آباء الحركة الصهيونية. ففي واحد من مقالاته الكثيرة في هذا الشأن، وهو بعنوان "الترحيل من أجل السلام"، ونشره في صحيفة "هآرتس" في 17 آب/ أغسطس 1988، كتب ما يلي: صحيح أنني أؤيد الترانسفير بحق عرب الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الدول العربية، لكنني لا أملك حق ابتكار هذه الفكرة، لأنني أخذتها من أساتذة الحركة الصهيونية وقادتها، مثل دافيد بن غوريون الذي قال من جملة أمور أخرى "إن أي تشكيك من جانبنا في ضرورة ترحيل كهذا، وأي شك عندنا في إمكان تحقيقه، وأي تردّد من قبلنا في صوابه، قد يجعلنا نخسر فرصة تاريخية" ("مذكرات دافيد بن غوريون"، المجلد الرابع، ص 299). كما أنني تعلمت هذا من بيرل كتسنلسون وآرثر روبين ويوسف فايتس وموشيه شاريت وآخرين.

وقبل أقوال زئيفي هذه بأكثر من ثمانية أعوام ألمح الوزير الإسرائيلي الأسبق والخبير الاستراتيجي أهارون ياريف إلى وجود "خطة جاهزة" في الأدراج الإسرائيلية الحكومية لترحيل 700 - 800 ألف عربي، حين "تنشأ الأوضاع الموضوعية لذلك"... وحرفيًا قال ياريف في محاضرة ألقاها في "الجامعة العبرية" في القدس، في 22 أيار/مايو 1980 ما يلي: "هناك آراء تدعو إلى استغلال حالة الحرب من أجل ترحيل ما بين 700 و800 ألف عربي... ولم تتردد هذه الآراء على ألسنة المسؤولين فحسب، وإنما أيضاً أعدت الوسائل اللازمة لتنفيذها"!

إذا كان اعتراف زئيفي السالف بأنّ فكرة الترانسفير ليست من بنات أفكاره غير بليغ بما فيه الكفاية لإثبات عمق تغلغل الفكرة ورسوخها في منبت رؤوس حكام إسرائيل الصهاينة، فإنّ إثبات ذلك يمكن أن نستقطره من نتاجات الوعي الجديد بحقيقة هذا الأمر، الذي يكتسب يوماً بعد يوم مناطق جديدة في أوساط مزيد من المؤرخين والباحثين اليهود. ولئن كان هذا الكلام يريد النفاذ إلى أشياء محدّدة فإنه يريد، أكثر شيء، توكيد خلاصة فحواها أنّ التربة الإسرائيلية على صعيدي المسؤولين السياسيين والرأي العام الشعبي سواء بسواء، لديها من الجهوزية ما يكفي لتقبل فكرة الترانسفير وعدم مضادتها، وإن من الناحية الأخلاقية على الأقل.

عند هذا الحد يكفي أن نستعيد، مرة أخرى، ما قاله زئيفي نفسه في هذا المضمار ضمن مقاله السالف:" لقد زعموا أنّ هذه الفكرة (الترانسفير) غير أخلاقية، وبرأيي أنه ليست هناك فكرة أكثر أخلاقية منها، لأنها تحول دون وقوع الحروب وتمنح شعب إسرائيل الحياة. وإذا كانت هذه الفكرة غير أخلاقية فإنّ الصهيونية كلها وتجسيدها خلال أكثر من مئة عام هما غير أخلاقيين".

تفريغ قطاع غزة

من بين التعليقات الكثيرة على الشروط التي وضعها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان (رئيس حزب "إسرائيل بيتنا") أخيراً لتأييد حزبه أي "اتفاق سلام نهائي" مع الفلسطينيين- وفي مقدمها أن يتضمن تبادلاً للأراضي والسكان بحيث تنتقل منطقة "المثلث الصغير" العربية (وادي عارة) إلى سيادة الدولة الفلسطينية التي ستُقام، وتتم إزاحة الحدود بين الدولتين إلى منطقة شارع رقم 6 (المعروف باسم "عابر إسرائيل") - كان ثمة تعليق واحد وربما وحيد للباحث الجغرافي الإسرائيلي إليشع إفـرات أشار فيه إلى أن ما يرمي إليه شرط تبادل السكان هو "تنفيذ ترانسفير بحق مواطنين شرعيين في الدولة". كما أنه سخر من الاقتراح القاضي بإزاحة الحدود بغية التمويه على ترحيل السكان، واعتبر ذلك بمثابة "تنفيذ عملية ترانسفير سهلة". لم يتردّد إفـرات في استعمال الترانسفير كون هذا المصطلح ليس غريباً قطّ على الحركة الصهيونية.

ويشير المؤرخ والصحافي الإسرائيلي توم سيغف إلى أنه منذ اليوم الأول لبداية مشروعها الاستعماري في فلسطين، أدركت الحركة الصهيونية أنها ستواجه مقاومة عربية. ومنذ اللحظة الأولى التي وصل فيها "طلائعيـو" هذه الحركة، لم يكفّ اليهود في فلسطين عن السجال فيما بينهم عن أفضل الطرق للتعايش مع "المشكلة العربية"، وقد درسوا أي احتمال يقع بين ترحيل العرب إلى مناطق أخرى وإقامة دولة ثنائية القومية، كما اختبروا احتمالات تقسيم البلد كلها، لكنهم في خضم ذلك أجمعوا على مبدأ أساسي فحواه: "أرض أكثر وعرب أقل!"، والذي وقف ولا يزال في صلب غايات مخططات الترانسفير.

لم تقتصر مخططات الترانسفير الصهيونية على فترة النكبة في 1948، بل ظلت مرافقة للمشروع الصهيوني المفتوح. وقد "انتعشت" على نحو خاص عقب حرب حزيران/ يونيو 1967 في نطاق المناقشات المتعلقة بمستقبل مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. ويمكن أن نذكر منها ما كانت صحيفة "هآرتس" قد كشفت النقاب عنه في آب/ أغسطس 2005، بعد تعتيم استمر ثلاثين عاماً، بشأن مخططات وحملات إسرائيلية سرية استهدفت في الأعوام التالية لتلك الحرب تفريغ قطاع غزة من سكانه الفلسطينيين، على الأقل اللاجئين منهم، ومحاولة توطينهم في شبه جزيرة سيناء والدول العربية المجاورة، وخصوصاً الأردن. غير أن تلك الخطط والحملات انتهت كلها، حسبما أكد غير مسؤول إسرائيلي رفيع سابق ممن كان لهم ضلع مباشر فيها، إلى الفشل الذريع و"تلاشي أحلام" زعماء الدولة في تلك الفترة كليفي أشكول وموشيه دايان ويغئال ألون وغيرهم، بتحويل قطاع غزة "بعد تطهيره من العرب وتعبئته بالمستوطنين اليهود" إلى "ريفييرا الشواطئ الإسرائيلية" على البحر الأبيض المتوسط. ووفقاً للتحقيق الذي نشرته الصحيفة، فإنه على الرغم من أنه لم تجر في المحصلة بلورة أي فكرة أو خطة محددة، سواء على المدى القصير أو البعيد، فإن "الحلم" الذي راود جميع المسؤولين والجهات الرسمية في إسرائيل هو أن يفيقوا في الصباح ويجدوا قطاع غزة فارغاً من السكان.

يقول الميجر جنرال احتياط إسحاق بونداك، الذي كان في سنة 1967 ممثلاً لوزارة العمل الإسرائيلية في قطاع غزة ولاحقاً الحاكم العسكري للقطاع وشمال سيناء، للصحيفة: "هناك من قرر أنه يجب تفريغ قطاع غزة من سكانه...". ومع أن بونداك لم يُشِر إلى هوية المسؤول أو الجهة الإسرائيلية الرسمية التي اتخذت هذا القرار، إلا إنه أكد أن "الذي اتخذ القرار اعتقد أنه إذا كانت حياة السكان صعبة وقاسية، وإذا لم تتوفر لهم لقمة عيش، فإنهم لن يتأخروا في الهرب والمغادرة، لكنهم لم يهربوا". كما أشير في التحقيق إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت ليفي أشكول صرّحَ من جهته، في اجتماع عقد في ديوانه بعد وقت قصير من الحرب، كما اقتبس ذلك المؤرخ توم سيغف في كتابه "1967"، قائلاً: "أنا أؤيد مغادرة الجميع حتى لو ذهبوا إلى المريخ". 

أوكلت مهمة تنفيذ فكرة "خفض" السكان في غزة إلى جهازين: الأول جهاز الموساد، وألقى رئيس الموساد مئير عميت المهمة على عاتق المدعو يوسف ياريف. والثاني تمثل في "وحدة مهمات خاصة في الحكومة" عملت على هامش الحكم العسكري في قطاع غزة، وأنيطت بها مهمة ترحيل أكبر عدد ممكن من السكان الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأردن. وعملت هذه الوحدة بطرق متعددة. ففضلاً عن المبالغ التي عُرضت على السكان الراغبين في النزوح (نحو 300 دولار) جرى الاهتمام أيضاً بتأمين نقلهم إلى الجسور.

تحدث تسفي ألبيلغ الذي كان حاكماً عسكرياً لجنوب قطاع غزة، للصحيفة عن "حافلات كانت مليئة". وأضاف: "سمعت أنهم قالوا هناك بأنهم ابتاعوا لهم تذاكر سفر في اتجاه واحد (ذهاب من دون إياب)... على أي حال فقد كانت النية تفريغ غزة قدر ما يمكن". لكن نائب قائد تلك الوحدة قال إنه "لم تكن هناك حافلات وإنما شاحنات"، موضحاً أن أفراد الوحدة وضعوا النازحين مع أمتعتهم على ظهور شاحنات ورافقوهم حتى نقطة الجمارك الإسرائيلية في محطة القطار في غزة.

لكنّ موظفي الجمارك لم يظهروا تعاوناً، لعدم إدراكهم ومعرفتهم بحقيقة الموضوع والدور المناط بالوحدة السرية المكلفة بالإشراف على الترحيل. وبعد تجاوز تعقيدات وإجراءات النقطة، توجهت الشاحنات إلى معابر الجسور على نهر الأردن، حيث كان هناك في انتظار المغادرين أفراد ارتباط أردنيون سمحوا بدخولهم إلى الأراضي الأردنية في مقابل رشى مالية قدمها لهم الإسرائيليون! ولفت تقرير "هآرتس" إلى أن أغلبية المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الذين جرى التحدث إليهم قللوا من أهمية ومردود نشاطات تلك الوحدة التي عملت بتكليف مباشر من وزير الدفاع وديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية. كما أن الجنرال المتقاعد شلومو غازيت الذي شغل وقتئذٍ منصب المعاون الخاص لوزير الدفاع الإسرائيلي، رفض التحدث عن نشاط "الوحدة السرية" في قطاع غزة، وقال إنه "يجب شنق من يتحدث عن ذلك... فإسرائيل ما زالت في صراع مع العالم العربي ومع الفلسطينيين"، معرباً عن اعتقاده أن الوقت لم يحن بعد للحديث عما كان يحدث في قطاع غزة "نظراً إلى حساسية الأمر"، على حدّ تعبيره.

اكتفى ضابط احتياط كبير آخر في الجيش الإسرائيلي كان هو أيضاً مطلعاً على سر حملة التهجير بالقول إن "كل قصة الوحدة لم تكن جادّة تماماً... وقد كانت المسؤولية عنها في ديوان رئيس الحكومة"، في إشارة إلى أن المسؤولية عن فشل هذه الحملة لا تقع على عاتق الجيش بل على عاتق المؤسسة السياسية. وهذا الفشل أكده الضابط الكبير ذاته بقوله إن "كل ما تمخضت عنه حملة التهجير الطوعي لا يتجاوز مغادرة عدة آلاف من فلسطينيي القطاع وإن أغلبية المهجرين فعلت ذلك بمعزل عن محاولات ومحفزات تشجيعها على الهجرة".

يهودية الدولة والترانسفير

لقد بات مصطلح يهودية الدولة يسيطر على الأجندة الإسرائيلية، وبات مطلباً إسرائيلياً ملحّاً تطالب به المفاوض الفلسطيني، وبات "الوسيط "الأمريكي يطالب به الجانب الفلسطيني أيضاً حتى يكون شرطاً ضمن أي اتفاق بين السلطة الفلسطينية وبين الإسرائيليين.

ماذا يعني هذا الطلب ولماذا تصر عليه المؤسسة الإسرائيلية؟ ولماذا بات مطلبا أساسا عند المفاوض الإسرائيلي علما أن تحديد تعريف الدول الديمقراطية من منطلقات إثنية يناقض المفهوم الديمقراطي الذي تتغنى به أمريكا وأوروبا؟.

الجواب بسيط جداً، وأما فلسفاته، فسنتركها لعلماء السياسة يخوضون بها كيفما شاءوا ، وعليه فإذا علمنا أن أوروبا وأمريكا تعتبران المؤسسة الإسرائيلية دولة وظيفية تقوم على تنفيذ سياساتهما في منطقة الشرق الأوسط علمنا حينها لماذا يصبح الاشتراط الإسرائيلي دائماً اشتراطاً أمريكياً ومن ثم أوروبياً إلى حد ما.

أما معنى يهودية الدولة فنقول إن المؤسسة الإسرائيلية التي تطالب بالتبادل السكاني بين منطقة المثلث وبين المستوطنات تريد بهذه الخطوة أن تتخلص من 200 ألف فلسطيني في منطقة المثلث ، ولكن ماذا مع البقية المتبقية من أهل الداخل الفلسطيني في الجليل والمدن الساحلية والنقب؟. إن يهودية الدولة تعني بصريح العبارة:

أولاً، إلغاء حق العودة لملايين الفلسطينيين الذين ما يزالون ينتظرون يوم عودتهم إلى أرضهم بإذن الله تعالى. وتعني، إذناً وتصريحاً فلسطينياً للمؤسسة الإسرائيلية حتى تقوم بطرد من تبقى من أهل الداخل الفلسطيني في الجليل والنقب والمدن الساحلية، وذلك عبر سن قوانين ومراسيم يتم اعتمادها وإنزالها على من لا يلتزم بها، وستعمل هذه القوانين على تجريد أهل الداخل الفلسطيني من مواطنتهم فيما لو قاموا بمخالفات معينة يتم تفصيلها على هذا المقاس.

ولذلك فإن السؤال الذي يطرح هنا، هل هناك فلسطيني يملك التخلي عن حق العودة أو هل هناك فلسطيني يملك أن يقر باليهودية لأرض فلسطينية عربية، وإن كان الواقع السياسي على هذه الأرض قد تسمى بأي اسم كان؟ هل الواقع السياسي على أرض معينة أياً كان اسمه يمكنه أن يلغي الحق التاريخي المتعارف عليه.

الحقيقة تقول: إن حق العودة هو حق فردي وحق جماعي لا يملك أي فلسطيني مهما علت منزلته أو رتبته أن يتنازل عنه وإذا كان هناك من تنازل عن حقه – على سبيل المثال لا الحصر – في  بيته في صفد، فإن الحق الفلسطيني الجماعي في هذا البيت لا يزال حقاً أبدياً لا يملك المُتَنازِل أو أي كان أن يلغيه، وبالقياس عليه فإن المطالبة بالاعتراف بيهودية الدولة هي أيضاً ضرب من العنجهية والخيال، لأن كل فلسطيني، وكل عربي، وكل مسلم له في هذه الأرض حق، ولا يمكن لأحد أن يتنازل عنه لأيٍّ كان، فكما أن المسجد الأقصى المبارك هو حق لمركبات الأمة الثلاث، فإن أرض بيت المقدس شارك في تحريرها من الصليبيين يوم احتلوها العربي والتركي والبوسني والشيشاني وابن المغرب العربي، كل أولئك كان منهم الشهداء الذين دافعوا عن ثرى بيت المقدس، فهل يملك عربي أو فلسطيني أو "كاوبوي" أن يقر للمؤسسة الإسرائيلية بيهودية هذا الوطن.

القدس والترانسفير الصامت

تواصل قوات الاحتلال سحب الإقامة من المقدسيين بهدف تقليل أعداد السكان الفلسطينيين وزيادة أعداد اليهود الصهاينة.

 وأظهرت معطيات رسمية سلمتها ما يسمى بوزارة الداخلية الصهيونية إلى"مركز الدفاع عن الفرد" الحقوقي الصهيوني، أنه خلال العام 2013 الماضي، سحبت قوات الاحتلال مكانة "الإقامة" من 106 فلسطينيين من سكان القدس الشرقية المحتلة، وأعادت هذه المكانة إلى 35 منهم فقط، وأنه منذ احتلال القدس في حرب حزيران العام 1967 جرّدت أكثر من 14 ألف فلسطيني من مكانة "الإقامة".

 وتمارس قوات الاحتلال سياسة منهجية لطرد المواطنين الفلسطينيين من سكان شرق القدس، وإفراغ المدينة من سكانها الأصليين، بواسطة قوانين جرى سنها لتنفيذ هذه السياسية، التي باتت تعرف باسم "الترانسفير الصامت"، فبعد احتلال القدس سنّت قوات الاحتلال قانونا يقضي بمنح المقدسيين مكانة "إقامة"، وبموجب هذا القانون فإن من يتغيب عن القدس لفترة تزيد عن سبع سنوات؛ يصبح بإمكان دولة الاحتلال سحب "الإقامة" منه.

وإحدى الحالات الأخيرة من ضحايا هذه السياسة الصهيونية، هي المقدسية تمام الزبيدي، التي فقدت مكانة "الإقامة" وبقيت من دون انتماء قانوني لأي دولة في العالم، وذلك فقط لأنها سافرت مع زوجها للدراسة في خارج البلاد.

 ونقلت صحيفة "هآرتس" العبرية، عن مديرية تسجيل السكان الصهيونية، تعقيبها على قضية الزبيدي، وتبرير سحب "الإقامة" بأن "زبيدي مكثت خارج البلاد قرابة ثماني سنوات بصورة متواصلة، وهي عملية نقلت مركز حياتها من "إسرائيل". وبموجب قانون الدخول إلى "إسرائيل" فإنه انتهت فترة رخصتها هي وابنتها. وانتهاء فترة إقامتها تمت بإجراءات منتظمة ووفقا لأي قانون".

ويشار إلى أنه في مقابل هذه الأنظمة الصهيونية ضد الفلسطينيين في القدس المحتلة، فإن "إسرائيل" تسمح وتشجع أي يهودي في العالم، لم تطأ قدمه أو قدم أحد من أجداده أرض البلاد، على الهجرة إلى البلاد، والحصول على كافة الحقوق التي يمكن لدولة أن تمنحها لمواطنيها.

وولدت الزبليدي (38 عاماً) في البلدة القديمة في القدس، وسكنت فيها طوال حياتها، وسافرت في العام 2006 إلى مدينة فانكوفر الكندية مع زوجها، وهو من سكان الضفة الغربية، الذي بدأ يدرس للقب الدكتوراه.

وحرصت الزبيدي على تجديد وثائق سفرها في كل عام، لكن قبل أربعة شهور تقريباً جرى تبليغها بأن مكانتها "كمقيمة" أصبحت لاغية، ويعني هذا الأمر أن ابنتها، البالغة 13 عاماً، ومن مواليد القدس أيضاً، بقيت من دون مكانة قانونية في كندا.

 واستأنفت زبيدي لدى القنصلية الصهيونية في تورينتو، واشترت العائلة تذاكر الطيران لهذا الغرض، لكن شركة الطيران رفضت أن يسافروا على متن إحدى طائراتها من دون بطاقة هوية أو وثائق شخصية، وفي نهاية الأمر استمعت القنصلية لاستئنافها عبر الهاتف، لمدة أربع دقائق فقط، ويوم الأحد الماضي أبلغت وزارة الداخلية الصهيونية الزبيدي بأنها رفضت استئنافها.

"الترانسفير" في غور الأردن

كشفت المعطيات الأخيرة للجنة تنسيق الشؤون الإنسانية الأممية عن معطيات تشير إلى مضاعفة الجهود الإسرائيلية الرامية إلى طرد الفلسطينيين من غور الأردن من خلال سياسة هدم المباني.

وتبين أن إسرائيل هدمت في العام الماضي 390 بيتاً فلسطينياً، ويشكل أكثر من ضعف البيوت التي هدمت عام 2012، وعددها 172 بيتاً، فيما فقد 1103 فلسطينيين عام 2013 سقفاً يؤويهم نتيجة سياسة الهدم، بينهم 558 طفلاً. وفي غور الأردن وحده فقد 590 فلسطينياً بيوتهم، بينهم 297 طفلاً.

وبموجب تقرير اللجنة، هدمت إسرائيل في بقية مناطق (C) في العام الماضي، 52 بيتاً و123 بناية أخرى. وفي القدس الشرقية هدمت 52 بيتاً و46 بناية أخرى، وبلغ المجموع الكلي للبنايات التي هُدمت 663 بناية.

وأثار قرار الصليب الأحمر وقف توزيع الخيام على الفلسطينيين فور هدم بيوتهم، غضباً عارماً، أيضاً بين جهات إسرائيلية. واعتبرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية القرار انتصاراً لسياسة "الترانسفير"، وكتبت منتقدة الصليب الأحمر على قراره بالقول "بقرارها هذا تتوقف المنظمة عن القيام بدورها الإنساني، في حال مواجهتها ظروفاً متطرفة تفرض عليها ذلك، كمنع وصولها إلى المنطقة المنكوبة، أو وجود ميليشيات مسلحة تخرق القانون الدولي والتفاهمات الإجتماعية المتعارف عليها".

وتناولت الصحيفة في سياق انتقادها القرار، معطيات حول مصادرة الجيش الإسرائيلي خيام الفلسطينيين، التي زودتها لهم منظمة الصليب الأحمر. وقالت "صادر الجيش ست مرات الخيام التي أحضرها الصليب الأحمر لمن هُدمت بيوتهم، ولكن بعد هدم مباني أم الجمل في غور الأردن أخيراً لم يحاول الصليب الأحمر حتى إحضار الخيام".

ترحيل البدو الفلسطينيين

دعت وكالة الأونروا مجتمع المانحين للوقوف ضد مخطط ترحيل آلاف البدو من المناطق الوسطى في الضفة الغربية إلى "ضاحية" في النويعمة بالقرب من أريحا.

في حال تم تطبيق هذا المخطط، فهذا لن يزيد فقط من احتمالية اعتبار الأمر كـ"ترحيل قسري" مما فيه خرق لاتفاقية جينيف الرابعة، بل قد يؤدي الأمر كذلك إلى مزيد من التوسع الاستيطاني الإسرائيلي غير الشرعي، مما يهدد حلّ الدولتين بشكل أكبر"، وصرح المفوض العام للأونروا بيير كراهينبول مضيفاً: "أدعو السلطات الإسرائيلية إلى عدم الاستمرار بقرار ترحيل هذه التجمعات كما أدعو مجتمع المانحين لأخذ موقف حازم ضده".

في أبريل 2014، أعلنت السلطات الإسرائيلية عن خطة لإعادة توطين تجمعات بدوية رعوية تعيش في مناطق مختلفة من الضفة الغربية في 3 ضواحي حضرية هي نويعمة والجبل وفصايل. الغالبية العظمى التجمعات المستهدف نقلها هي من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا. كما تضم هذه التجمعات هؤلاء القاطنين في منطقة E1 ومعاليه أدوميم بالقرب من القدس والمقرر استخدامها لتطوير جديد للمستوطنات الإسرائيلية واحتمال توسع استيطاني.

"إن الآثار الإنسانية الناجمة عن مخطط النقل هذا قد تكون جسيمة"، وفقاً لكراهينبول الذي أضاف: "إن مخططات النويعمة التي نشرت في 25 آب و9 أيلول تدل على أن الضواحي المقترحة قد تؤدي إلى نقل حوالي 12 ألف شخصاً. هنالك مخاوف من أن النقل المخطط للسكان سيطبّق بعد صدور موافقة إسرائيل النهائية على مخططات النويعمة، وأنه سيتم تنفيذ قرارات الهدم المعلّقة وبالتالي تدمير منازل ومصادر عيش تلك التجمعات".

لطالما رفضت التجمعات البدوية بشكل صريح عملية إعادة تسكينها. بصفتهم لاجئين فلسطينيين، فإن البدو يرغبون بالعودة إلى أراضيهم الأصلية في النقب. وحتى موعد العودة، فإن رغبتهم هي البقاء حيث يتواجدون في الوقت الحالي.

يعيش الكثير من البدو تحت تهديد يومي لترحيلهم كما يتعرضون لهدم لا يحصى لممتلكاتهم وقرارات الحجز والمصادرة وكلها ناتجة عن عدم حصولهم على نظام تخطيط وتقسيم عادل وغير تمييزي، الأمر الذي تتحكم به إسرائيل كونها القوة المحتلة في منطقة ج. والآن وبعد صدور مخططات النويعمة، فإن خطر خسارة مساكنهم بات يلوح في الأفق بشكل أكبر.

في عام 1997، نقل عدد من التجمعات البدوية إلى منطقة محيطة بأكبر مكب للنفايات في الضفة الغربية يطلق عليها الجبل مما أدى إلى انهيار اقتصاداتهم الرعوية وتدمير تدمير نسيجهم الاجتماعي ونمط حياتهم البدوي إلى غير عودة.

يسكن العديد من البدو المستهدفين للترحيل في مواقعهم الحالية منذ عقود بعد أن لجأوا إلى هذه المنطقة وتركوا أراضي أجدادهم التقليدية على إثر الصراع العربي-الإسرائيلي عام 1948م، ومن يومها لم يتمكنوا من العودة. ومنذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، شهدت هذه التجمعات نمو المستوطنات الإسرائيلية حولهم.

باحثة في علم الاجتماع السياسي(*)

اعلى الصفحة