هل تُشكل "داعش" وأخواتها تهديداً على "إسرائيل"؟

السنة الرابعة عشر ـ العدد 158 ـ (ربيع الثاني 1436 هـ) شباط ـ 2015 م)

بقلم: هيثم محمد أبو الغزلان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

هل تُشكل "داعش" وأخواتها من المجموعات المسلحة التكفيرية، تهديداً مباشراً أو غير مباشر على دولة الاحتلال الإسرائيلي؟ لماذا تقاتل "داعش" وأخواتها "العدو القريب" من "ذوي القربى" ولا تلتفت إلى العدو الأساس والمركزي، ألا وهو "إسرائيل"؟! لماذا تضرب"داعش" وأخواتها في العراق وسوريا ومصر وصولاً إلى فرنسا وغيرها من الدول ولا تلتفت إلى إسرائيل؟!...

ولماذا تعتبر تل أبيب، أن تنظيم "داعش" لا يشكل خطرًا مباشرًا أو جادًا عليها؟ وفوق ذلك، تستقبل المستشفيات "الإسرائيلية" جرحى "داعش"، كما أن رئيس الوزراء "الإسرائيلي" "بنيامين نتنياهو" يقوم بزيارتهم في بعض الأحيان؟

وفي مقابل توصيف "إسرائيل" لخطر "داعش" وأخواتها بالهامشي، فإن لديها خشية من تحوّله إلى تهديد مباشر ضدها، مع إصرارها على العمل للاستفادة من توظيفها كورقة سياسية معتبرة في خدمة مشروعها بالأراضي المحتلة، بعيدًا عن ضغط المساءلة العربية والدولية.

النشأة والأصول

إن العودة إلى نشأة هذه الحركات وأصولها الفكرية تجيب وبشكل واضح وصريح على معظم الأسئلة المثارة حالياً، لجهة محاربة "داعش" وأخواتها من الحركات التكفيرية للمسلمين واستهدافهم للمدنيين، بما فيهم النساء والأطفال.

لقد تشكّلت القاعدة في 11 آب /أغسطس 1988، في اجتماع عدد من قادة تنظيم "الجهاد الإسلامي" المصري مع أسامة بن لادن، وفي نيسان /أبريل 2002، أصبح اسم التنظيم "قاعدة الجهاد". وأعلن تنظيم "القاعدة" في عام 1996، الجهاد لطرد القوات والمصالح الأجنبية من الأراضي الإسلامية. وأصدر ابن لادن فتوى، اعتُبرت إعلان عام للحرب ضد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وفي 23 شباط / فبراير 1998، شارك أسامة بن لادن وأيمن الظواهري زعيم الجهاد الإسلامي المصري، إلى جانب ثلاثة آخرين من زعماء بعض الجماعات الإسلامية، في توقيع وإصدار فتوى تحت اسم الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين أعلنوا فيها (إن حكم قتل الأمريكيين وحلفائهم مدنيين وعسكريين، فرض عين على كل مسلم في كل بلد متى تيسر له ذلك، حتى يتحرر المسجد الأقصى والمسجد الحرام من قبضتهم. وحتى تخرج جيوشهم من كل أرض الإسلام، مسلولة الحد كسيرة الجناح. عاجزة عن تهديد أي مسلم) (ويكيبيديا).

ويُعتبر الشيخ عبد الله عزام "الأب الروحي" لأسامة بن لادن زعيم تنظيم "القاعدة" حتى اغتياله على يد قوات خاصة أمريكية، ويرى بعض الباحثين أنه على أساس فكرة القاعدة الصلبة التي أطلقها عبد الله عزام، والتي ذكرت لأول مرة في مقال له في صحيفة شهرية اسمها "الجهاد" في نيسان/إبريل 1988، أعلن ابن لادن في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر وبداية كانون أول/ديسمبر 1989 في مدينة "بيشاور" عن قيام هذا التنظيم.

ويستند فكر عزام على نظرية الجهاد الإسلامي العالمي، والتي تقوم على اعتبار أن أساس قوة الإسلام العالمي يجب أن يتركز في أرض إسلامية واحدة، وأنه بالجهاد يمكن الانتصار على الكافرين المعتدين، وإقامة دولة الإسلام وتحريرها (أفغانستان)، وبعد ذلك الانتقال لأرض إسلامية أخرى، التي توجد بها الظروف نفسها (فلسطين)، ومن ثم حتى الوصول إلى تحرير جميع الأراضي الإسلامية، وإقامة الخلافة الإسلامية، والتي تبدأ من إندونيسيا في الشرق حتى المغرب، وأسبانيا في الغرب. حتى نصل إلى تحرير جميع الأراضي الإسلامية فيمكن العمل على إنشاء - ولو مؤقتاً-  الجهاد على أرض إسلامية سيكون مستقبلها التحرير (مثلاً في مصر والجزائر)، وأيضاً في دول تكون فيها المواجهات بين المسلمين المستضعفين أمام حكامهم المسلمين وغير المسلمين، كما أورد أستاذ الفلسفة بجامعه الخرطوم د.صبري محمد خليل في مقالة له.

ويرى أغلب الباحثين أن "السلفية الجهادية" تشكل الأساس الفكري لتنظيم القاعدة، وهي محاوله للتوفيق بين السلفية والحنبلية وفكر سيد قطب (الجهادي) والسروريه (والقائمة أيضاً على محاوله التوفيق بين بعض أفكار الإخوان المسلمين والسلفية)، هذه المحاولة أنتجت نسقاً فكرياً متمايزاً عن مكوناته السابقة، يجمع بين الطابع العقدي السلفي والطابع السياسي القطبي. وقد كان تشكل السلفية الجهادية الكامل أثناء مرحلة الجهاد الأفغاني، بصفوف العرب الأفغان بخاصة، بحسب مقال لصبري خليل.

وانتقد كثير من دعاة التيار السلفي (الدعوي) أفكار ما أطلق عليه اسم السلفية الجهادية عامة وتنظيم القاعدة خاصة باعتبارها خروجًا على المنهج السلفي عامة، والمذهب الحنبلي خاصة، منهم عبد العزيز بن باز، وعبد العزيز بن عبدا لله آل الشيخ، وصالح بن فوزان الفوزان، وصالح اللحيدان، ومقبل بن هادي الوادعي من السعودية، وصالح الغربي من المغرب (كتاب طواغيت الخوارج بالمغرب بين الفتاوى التكفيرية والأعمال الانتحارية الإجرامية"، ط1، المغرب، 2006)، وعمر البطوش من الأردن (كتاب: كشف الأستار عما في تنظيم القاعدة من أفكار وأخطار).

ويعود انتقاد العلماء للقاعدة، لأنها تكفّر جميع حكام المسلمين بلا استثناء.. وكذلك جميع معاونيهم وأتباعهم.. فضلاً، عن تكفيرهم للشرطة، والجيش، وأجهزة الاستخبارات بأنواعها المختلفة في كل بلاد المسلمين.. وكذلك تكفير أعضاء البرلمان والنيابة والقضاء.

وتعد دائرة التكفير في فكر القاعدة من أكبر الدوائر في كل الحركات الإسلامية على الإطلاق حتى المتشددة منها. ويرى العلماء أن من أهم الأخطاء الشرعية التي وقعت فيها القاعدة ونفرت منها معظم علماء ودعاة وعوام المسلمين هو تكرار استهدافها للمدنيين بالقتل. بل إن معظم عمليات القاعدة كانت تستهدف المدنيين ليس في بلاد غير المسلمين فحسب.. بل في بلاد المسلمين أيضاً.. وهذا من أكبر المحرمات في شريعة الإسلام حتى في حالة الحرب.. فسيوف المسلمين لا تضرب في الأرض خبط عشواء.. ولكن هذه السيوف لها ضوابط.."بل ولها أخلاق أيضاً"، كما قال مصطفى صادق الرافعي.

من هي "داعش"؟

على نسق القاعدة، تشكّل تنظيم "داعش" في نيسان عام 2013، كحالة اندماجية بين ما يسمى بـ"دولة العراق الإسلامية" التابع لتنظيم القاعدة الذي تشكّل في تشرين الأول/ أكتوبر 2006، و"جبهة النصرة" في سوريا، إلا أن هذا الاندماج الذي أعلن عنه قيادي "دولة العراق الإسلامية" أبو بكر البغدادي، رفضته "النصرة" على الفور.

وبعد ذلك بشهرين، أمر زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري بإلغاء الاندماج، إلا أن البغدادي أكمل العملية لتصبح "داعش" (الدولة الإسلامية في العراق والشام) واحدة من أكبر الجماعات الإرهابية الرئيسية التي تقوم بالقتل والدمار في سوريا والعراق...

وتتبنى "داعش" الفكر السلفي الجهادي (التكفيري)، وتهدف إلى إعادة "الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة"، وتتخذ من العراق وسوريا مسرحًا لعملياتها الإجرامية.

وتعود أصول هذا التنظيم إلى العام 2004، حين شكّل أبو مصعب الزرقاوي تنظيمًا أسماه "جماعة التوحيد والجهاد"، وأعلن مبايعته لتنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن في حينها، ليصبح ممثل تنظيم القاعدة في المنطقة أو ما سُمّي بـ "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين". وقد برز التنظيم على الساحة العراقية إبان الاحتلال الأمريكي للعراق، على أنه تنظيم جهادي ضد القوات الأمريكية، الأمر الذي جعله مركز استقطاب للشباب العراقي الذي يسعى لمواجهة الاحتلال الأمريكي لبلاده، وسرعان ما توسّع نفوذ التنظيم وعديده، ليصبح من أقوى المليشيات المنتشرة والمقاتلة على الساحة العراقية، بحسب مصادر متعددة منها مقال: حسين طليس، في صحيفة "الديار" اللبنانية..

في العام 2006، خرج الزرقاوي على الملأ في شريط مصور معلنًا عن تشكيل "مجلس شورى المجاهدين" بزعامة عبد الله رشيد البغدادي. قتل الزرقاوي في الشهر نفسه من إعلانه، وعين أبو حمزة المهاجر زعيمًا للتنظيم في العراق. وفي نهاية الـ(2006) تم تشكيل تنظيم عسكري يختصر كل تلك التنظيمات ويجمع كل التشكيلات الأصولية المنتشرة على الأراضي العراقية، إضافة إلى أنه يظهر أهدافها عبر اسمه... "الدولة الإسلامية في العراق" بزعامة أبو عمر البغدادي، بحسب مصادر متعددة أيضاً منها، مقال: حسين طليس، في صحيفة "الديار" اللبنانية.

وتُفرد "داعش" وأخواتها الأهمية الكبرى لقتال "العدو القريب"، مُتجاهلة العدو الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، ويُرجع زعيم الجهاد العالمي الدكتور أيمن الظواهري، ذلك إلى باب ترتيب الأولويات على قاعدة "دار الكفر ودار الإسلام". فالظواهري يرى أن القتال في فلسطين على أساس أنها "دار إسلام واسترجاعها فرض عين على كل مسلم"، كما ورد في خطابه "حقائق الصراع بين الإسلام والكفر" عام 2007. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال فلسطين في أسفل قائمة أولويات الجهاديين، الذين يرون أن "الرافضة أشد خطورة من اليهود"، بحسب العديد من أدبياتهم المنشورة وتصريحاتهم المختلفة.

أما في جوهر المنهج لهؤلاء، فـ"لا أهمية لتحرير فلسطين، ما لم تقم دولة الخلافة في محيط فلسطين". فـ"الحرب النهائية التي تُحرّر فلسطين هي التي تقودها دولة الخلافة، وعلامة هذه الدولة أن تقوم في الشام والعراق"، وفقاً للأحاديث المروية عن النبي محمد(ص).

وبحسب ما نقل رضوان مرتضى، في صحيفة "الأخبار"، عن مصدر في "الدولة الإسلامية"، فإنهم يتبعون القاعدة المعروفة: "قتال المرتد القريب أولى من قتال الكافر البعيد".

توظيفات إسرائيلية لتهديدات "داعش"

لا تخفي النخبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية الجدل القائم حول المخاطر التي تشكلها "داعش" والتنظيمات القريبة منها من خطر على إسرائيل ومستقبلها. ويتفقون على ضرورة الاستفادة من وجود "داعش" لأقصى حد ممكن.

واتخذت إسرائيل إجراءات أمنية مشددة في العلن لمواجهة التهديدات المحتملة، فعززت وجود قوات جيشها عند الحدود مع الجبهتين السورية والأردنية، وأصدرت قانوناً يضع تنظيم "داعش" في خانة "المنظمات الإرهابية" ويحظر الانخراط فيه أو التعاطي معه تحت طائلة العقوبة، لكن في الوقت ذاته، كانت تستقبل جرحى "داعش" في مستشفياتها للعلاج.

وأبدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استعداد "إسرائيل" للانخراط ضمن "التحالف الدولي"المناهض لـ"داعش"، وتقديم التعاون الاستخباريّ المعلوماتي، مبدياً الاستعداد لوضع قواعده أمام استخدام الطائرات الأمريكية في الحرب ضد هذا التنظيم (هآرتس 17/9/2014). ووصف تقرير صادر عن الاستخبارات الإسرائيلية (هآرتس، 20/9/2014)، "اختراق المجموعات المتطرفة الموجودة في سيناء للحدود مع إسرائيل أكثر من مرة، بأنه يشكل خطراً فادحاً ضدّها".

وأفاد التقرير نفسه (18/9/2014) بأن "تنظيم "داعش" لا يضع إسرائيل ضمن أهدافه، ولا يهتم بها حاليّاً، فيما لا توجد أي إشارات تدلّل على خطره القريب ضدّها".

ويرى الصحفي الإسرائيلي روني شاكيد في حوار مع DW عربية (23-10-2014) أن "داعش" لا يشكل حالياً خطراً على إسرائيل، ويرى أن إسرائيل تساعد بشكل سري في مواجهته، وأنها تريد نظاماً قوياً يسيطر على الأمن بسوريا بغض النظر عما إذا كان ديمقراطياً أم لا.

ويقول شاكيد لدينا مشكلة، لأن "داعش" قريبة من الحدود "الإسرائيلية"، وخصوصاً في منطقة الجولان والقنيطرة. فمن وقت إلى آخر تنزل قذائف هاون على إسرائيل التي لن تعطي أي فرصة لحدوث مشكلة على الحدود، ولا تريد أن تتمدد هذه الحرب في سوريا إلى داخل إسرائيل.

ويضيف أن ثمة الكثيرين من العرب والمسلمين ذهبوا إلى تركيا، ومنها إلى سوريا، ومنها إلى العراق حيث انضموا إلى جيش "داعش". وبعضهم قتل هناك، منهم دكتور ذو جنسية إسرائيلية من منطقة النقب. ويوجد العديد ممن يريدون التطوع هناك وهذه مشكلة لإسرائيل لأن هؤلاء المتطوعين إذا عادوا إلى إسرائيل - كعودة أمثالهم إلى ألمانيا أو بلجيكا أو هولندا - فهذه مشكلة كبيرة لأمن إسرائيل ولأمن الغرب أيضاً.

وأكد كل من وزير الجيش الإسرائيلي، موشيه يعالون، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق ورئيس معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب عاموس يادلين، أن تنظيم "داعش" لا يشكل خطراً مباشراً أو جاداً على إسرائيل، وباستثناء بعض التحذيرات والتقارير الاستخباراتية الاحترازية، يكاد يتفق جل الخبراء والمسؤولين الإسرائيليين على عدم وجود تهديد جاد ومباشر لـ"داعش" بالنسبة لبلادهم".

وذكر يادلين - في مقال له بصحيفة "يديعوت أحرونوت" أسانيد إستراتيجية عديدة تؤكد ما طرحه؛ فلوجيستياً ينشط التنظيم على مسافة بعيدة تمتد لمئات الكيلومترات من حدود إسرائيل، وخلافاً لحركات المقاومة الفلسطينية - الموجودة بمحاذاة حدود إسرائيل- فإن "داعش" لا يمتلك أنفاقاً ولا قدرات مدفعية أو صواريخ، كما أنه ليس لديه حلفاء يزودونه بالسلاح المتطور.

واستبعد يادلين وصول تأثير "داعش" إلى الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية فكرياً أو عسكرياً، إذ أن أيديولوجية هذا التنظيم الجهادية موغلة في التطرف إلى درجة تأبى قبولها أكثر التنظيمات في المنطقة تشدداً بما فيها تنظيم القاعدة ذاته.

واعتبر يادلين أن تهديد داعش كمنظمة جهاد عالمية لإسرائيل لا يختلف جوهرياً عن تهديد تنظيم القاعدة، الذي تتعايش إسرائيل معه منذ ما يربو على عشر سنوات، وأضاف أنه "في حال قيام "داعش" بنقل نشاطه من العراق إلى إسرائيل فإنه سيقع فريسة للاستخبارات الإسرائيلية وطائرات سلاح الجو والسلاح الدقيق المتطور الذي بحوزة القوات البرية الإسرائيلية".

غير أن الخبراء الإسرائيليين قد أجمعوا على أن هناك خطراً فعلياً آخر تشكله "داعش" على إسرائيل يكمن في إمكانية صرفه الاهتمام الإسرائيلي والعالمي عن مخاطر البرنامج النووي الإيراني، الذي يمثل تهديداً إستراتيجياً حقيقياً على أمن إسرائيل واستقرار المنطقة والعالم برمته.

وقال موقع "جلوبال ريسرش" البحثي إن التحدي الذي أوجده تنظيم "داعش" في المنطقة، دفع كل من الولايات المتحدة وأوروبا ودول عربية لتكوين تحالف دولي ضد التنظيم الإرهابي، تلك الحرب تأخذ أولوية في منطقة الشرق الأوسط، ولكنها ليست من بين أولويات إسرائيل. ويوضح الموقع أنه على رأس الأولويات الإسرائيلية خلال الفترة الراهنة مبادرة المعارضة السورية والتي تكمن شروطها في توقيع معاهدة سلام مع تل أبيب قبل سحب قواتها من مرتفعات الجولان السوري المحتل والأراضي الفلسطينية وأراضي جنوب لبنان، ولهذا الغرض إسرائيل عازمة على كسر سوريا والتحالف الإيراني الذي يقف عقبة رئيسية أمام تحقيق أهدافها، وهي تراهن على أن تغيّر النظام في دمشق يُعدّ خطوة إلى الأمام لتحقيق أهدافها الإستراتيجية. ويشير "جلوبال ريسيرش" إلى قول رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بأن هزيمة داعش وترك إيران كقوة نووية هو أحد أنواع كسب المعركة وخسارة الحرب، مضيفًا أنه لذلك لا ينبغي أن تكون عدم محاربة إسرائيل لداعش أمر مفاجئ، فحتى الآن لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية أي خطوة فورية ضد التنظيم الإرهابي، ولكن المعلومات تطفو على السطح في الاتجاه المعاكس، حيث تمكين داعش والجماعات الإرهابية الأخرى للقتال الداخلي داخل سوريا. ويوضح "جلوبال ريسيرش" أن المعارضة السورية لا تشكِّل صداعاً لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، حيث تبقى في صفهم نظراً للمساعدات المالية والأسلحة، ولكن زعم الدولة الإسرائيلية بتقديم مساعدات إنسانية طعن في حقيقة أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لا تزال تغلق أبوابها أمام اللاجئين المدنيين السوريين، ولكن تفتح للجرحى من المعارضة و"داعش"، حيث تعالجهم في المستشفيات الإسرائيلية وتسمح لهم العودة إلى أرض المعركة بعد الشفاء.

وفي وقت تعمل فيه إسرائيل على تعظيم خطر "داعش" و"النصرة"، فإنها تخفي أهدافاً سياسية متعددة تسعى إلى تحقيقها، مع الانشغال المستمر للدول العربية والإسلامية بمحاربة الجماعات المسلحة ومنع تعاظم نفوذها، دون أن تدفع حقيقة ثمن هذه الأهداف السياسية. ويأتي في مقدمة ذلك نتائج العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. فكتبت الدكتورة نادية سعد الدين مقالاً في فصلية "السياسة الدولية" بعنوان: (التوظيف الإسرائيلي لتهديدات "داعش" و"النصرة")، استعرضت فيه هذه التوظيفات الإسرائيلية لتهديدات "داعش"، خصوصاً بعد العدوان على غزة، والتي "أفضت إلى انتصار المقاومة، وإعادة القضية الفلسطينية، بعد تراجع، إلى واجهة المشهدين الإقليمي والدولي، ما تبين في تصدرها وسائل الإعلام وتحريكها للجهود الدبلوماسية، وتحفيزها لتظاهرات التضامن الشعبية الحاشدة في مختلف دول العالم، بما فيها العواصم الغربية".

وأضافت "يعوّل الاحتلال على مسألة "الانشغال" تلك، مع بقاء حالة التجاذب الإقليمي العربي التي برزت في مشهد مساعي التوصل إلى هدنة لوقف إطلاق النار في غزة؛ في حسر حراك عربي إسلامي مؤثر في دعم ونصرة الشعب الفلسطيني"..

وبرز أيضاً من خلال ضعف الاهتمام بمبادرة السلطة الفلسطينية التي قدمتها إلى مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة على حدود 1967 وعاصمتها القدس المحتلة، واستُخدم "الفيتو" الأمريكي ضدها، مع وجود مواقف أوروبية متباينة من الصراع العربي– الإسرائيلي، وحالة من تعميق الخلل القائم على الأرض في فلسطين المحتلة.

وتورد سعد الدين في مقالها أن "الاحتلال يسعى إلى استثمار الوضع المضطرب الذي أوجده "داعش" بالمنطقة في إعلاء صوت التحذير من خطره القادم إليه، كمسوغ أمام المجتمع الدولي للتمسك بشرط الحفاظ على السيطرة الأمنية في منطقة الأغوار، وبقاء جيش الاحتلال ضمن المنطقة الحدودية مع الأردن، مقابل رفض نشر قوات فلسطينية فيها، وذلك ضمن أي اتفاق تسوية يتم التوصل إليه مع الجانب الفلسطيني، بذريعة صعوبة الاتكال على الأجهزة الأمنية الفلسطينية لمقاومة "داعش" والحركات المتطرفة".

"هآرتس": غزة تُضرب.. أين "داعش"؟

ولعل كلام صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية (14-7-2014)، الذي يعبر عن سعادة الموقف الإسرائيلي بموقف "داعش" الذي برر عدم جهاده في قطاع غزة أثناء العدوان عليها، فكتبت  تحت عنوان "داعش غير معنية بقتال اليهود"، أن هناك قائمة طويلة بالقادة العرب الذي وضعهم تنظيم "داعش" السني كأهداف له، ومن بينهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، والملك السعودي عبد الله بن عبدالعزيز، والعاهل الأردني عبد الله الثاني، وأيضاً قيادات بارزة بجماعة الإخوان المسلمين، أما اليهود وإسرائيل فليسوا على رأس هذه القائمة.

وأضافت "في الوقت الذي تضرب فيه إسرائيل قطاع غزة، شيء رائع أن نعرف أن هناك على الأقل تنظيماً إسلامياً واحداً لم يسارع بتهديد إسرائيل، وهو تنظيم داعش".

وأضافت أن "حالة من الدهشة والتساؤلات انتشرت على شبكة الانترنت بسبب عدم محاربة داعش لإسرائيل بدلاً من قتال المسلمين في العراق وسوريا، والتنظيم أجاب عن هذا بأنه لم يؤمر بقتال اليهود والإسرائيليين".

وعلى الرغم من ذلك، فإن أصواتاً إسرائيليةً تطالب الحكومة الإسرائيلية بمحاولة التأثير في تقديرات الحلف الأمريكي الجديد الإستراتيجية في حربها ضد "داعش"؛ فالجنرال الإسرائيلي إسرائيل زئيف، طالب في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنه بموازاة الحرب التي تخوضها أمريكا وحلفاؤها، أن تقوم إسرائيل بتطوير "قدرات الرد الذاتية، لمواجهة أي ارتدادات عكسية للحرب التي يخوضها التحالف الدولي ضد داعش، يمكن أن تجعل التنظيم أقوى ممّا هو عليه اليوم".

وأكد زيف أن للعملية الأمريكية عيبين جوهريين؛ وهما بحسب الجنرال "أنها لا تعمل إلا على الأهداف التي تحقق غاية لها"، وهذا برأيه لن يفضي إلى القضاء على داعش تماماً؛ والأمر الآخر "أن العملية ليس لها إلى الآن أية خطة لترتيب إقليمي جديد يضمن الاستقرار".

وأوضح زيف أن ارتدادات الهجوم الأمريكي يمكن أن تفضي إلى ثلاث نتائج؛ الأولى أن ينجح تنظيم الدولة ـ من غير دخول بري ـ في البقاء وأن يخرج أعظم قوة بعد أن "حارب الغرب كله". والثانية هي إحداث فوضى على الأرض والفوضى مستنبت خصب للإرهاب وتحويل المنطقة إلى شبه الصومال. والثالثة أن الإيرانيين وحزب الله سيقومون باستغلال حقيقة أن داعش ستضعف؛ للسيطرة على المناطق "الموبوءة" في غرب العراق وشرق سوريا ويحققون بذلك خطة "الممر" المتصل بين طهران وبيروت.

ونبّه إلى "أنه يوجد في الخلف من ذلك على الدوام نوع من المصالحة السياسية التي أصبحت موجودة بين واشنطن وطهران، وتُستغل لمطالب في الشأن الذري، وهذه نتيجة إستراتيجية ستحسن مكانة إيران بصفتها من القوى الإقليمية الكبرى، وتكون أسوأ كثيرا من الوضع الحالي".

وهذا عين الذي أطلقة بنيامين نتنياهو من تحذير قيام الغرب وواشنطن من تقديم تنازلات لإيران ما يجعلها دولة على حافة النووية، تشكل خطراً أكثر من "داعش".

وقال البروفيسور إيال زيسر في مقال له بصحيفة "إسرائيل اليوم"، بعنوان "يتحدثون في الطريق إلى اللامكان" مستعرضًا تحريض إسرائيل لأمريكا على إيران: "يستطيع أوباما أن يسجل لنفسه أنه خلال فترة حكمه لم تتحول إيران إلى دولة نووية، وفي الوقت نفسه منع هجوماً عسكرياً على إيران، الأمر الذي كان سيورط الولايات المتحدة من جديد في وحل الشرق الأوسط، وهذا ما لا تريده بسبب التهديد الذي تشكله داعش".

ويوجد أسئلة عديدة يطرحها العديد من المحللين والمتابعين: لماذا ما زالت "داعش" تتحرك إعلامياً دون أي اعتراض من واشنطن؟ وهي التي لديها بروباغاندا هي أهم عنصر في صعود نفوذها وتجنيدها الآلاف، وتتواصل في مواقع إنترنت بلا اعتراض أمريكي رغم توفر القدرة على إزالة كل المواقع "الجهادية" على الإنترنت خلال ساعات، وهناك سوابق عندما جرى إيقاف حسابات إعلامية لجهات عديدة في الشرق الأوسط سواء كانت في يوتيوب وفايسبوك وتويتر وغيرها من خدمات المواقع الأمريكية والتواصل الاجتماعي، دون أي ضجة ولمجرد أنها لا تتسق مع التوجهات الأمريكية.

ويسعى القادة الإسرائيليون إلى ربط إرهاب "داعش"، بمقاومة الشعب الفلسطيني، وحزب الله، والتهديد الإيراني، فقال بنيامين نتنياهو، بمستهل اجتماع مع وزير الخارجية النرويجي في القدس المحتلة "إن تنظيمات مثل "داعش"، و"حماس"، و"جبهة النصرة"، و"القاعدة"، و"الشباب" الصومالية، و"حزب الله" المدعوم من قبل إيران، تشكل جميعها خطراً واضحاً وفعلياً على حضاراتنا"..

وبناء عليه، فإن عدداً من الخبراء الإسرائيليين يرون أن "هناك خطراً فعلياً آخر تشكله "داعش" على إسرائيل يكمن في إمكانية صرفه الاهتمام عن مخاطر البرنامج النووي الإيراني، الذي يمثل تهديدًا إستراتيجيًا حقيقيًا لإسرائيل ولاستقرار المنطقة".

ولهذا يسعى نتنياهو مع النخبة السياسية والعسكرية، إلى تعزيز مكانة إسرائيل عند حلفائها في الغرب، وتجميل وجهها القبيح، في مختلف دول العالم، لاسيما الأوروبية منها، بعد ارتكابها "جرائم حرب ضدّ الإنسانية"، في فلسطين ولبنان. وللاستفادة من تجليات مشروع "داعش" وأخواتها لتعزيز الاستيطان، ومصادرة الأراضي، والتهويد، وتعزيز "الأمن الإسرائيلي"، على حساب فلسطين والعرب.. 

اعلى الصفحة