|
|||||||
|
وصف محللون سياسيون إسرائيليون وهنود العلاقات الراهنة بين دلهي و"تل أبيب" بأن "السماء حدودها" للدلالة على آفاقها الرحبة والعوامل الكثيرة الدافعة لتطويرها وتعميقها في كافة المجالات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية. وفي الوقت نفسه لا حدود لمخاطرها وتأثيراتها السلبية على المحيط الإقليمي-الجيو/استراتيجي لطرفي هذه العلاقة. وسينعكس تطور هذه العلاقات على واقع أقليتين دينيتين من الأقليات الموجودة في الهند والمنخرطة في المشكلة الطائفية في بلد ينتمي سكانه إلى عدد من المجموعات العرقية وأكبرها: الدرافيديون (Dravidian) وهم أقدم الشعوب التي سكنت شبه القارة الهندية، والهنود الآريون (Indo-Aryan) ، ويسكن معظمهم حاليا في شمال الهند ويشكلون أكبر عرقيات الهند حيث يبلغ عددهم 741.6 مليون نسمة بما يمثل 72% من مجموع الشعب الهندي. بالإضافة إلى بعض العرقيات الأخرى صغيرة الحجم والتي لا تمثل مجتمعة أكثر من 3% من سكان الهند وأهمها هم المنغوليون. الطوائف الدينية في الهند يتشكل المجتمع الهندي من عدد من الطوائف المنخرطة بنسب مختلفة في صراع تختلف وتتغير حدته بفعل عوامل سياسية واقتصادية عدة. ومن أبرز الطوائف: الهندوس Hindus: الهندوسية هي أقدم ديانات الهند وأكبرها من حيث عدد معتنقيها، ويمكن تقسيم الهندوس إلى ثلاث جماعات، من يعبدون الإلهة شيفا Shiva، ومن يعبدون الإله فيشنا Vishnu في تجسداته المختلفة، وأولئك الذين يعبدون الإله شاكتي، وللهندوسية عدة فرق أو جماعات لكل منها شكل عبادة خاص. وقد ظهرت في القرن التاسع عشر عدة حركات إصلاحية هندوسية، نتيجة لاتصال الهند بالمسلمين أولا ثم بعد ذلك بالغرب، وأهم تلك الحركات الإصلاحية حركة "دام موهان روي". وينتشر الهندوس في جميع الولايات الهندية حيث يصل عددهم إلى 837.4 مليون نسمة بما يمثل 81.3% من مجموع الشعب الهندي، ويسيطر الهندوس على جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية منذ استقلال الهند عن بريطانيا في 15 أغسطس/ آب 1947. البوذيون Buddhist: البوذية هي ثاني أقدم ديانات الهند بعد الهندوسية وهي حركة دينية هندية إصلاحية ظهرت في القرن السادس قبل الميلاد، ومع ظهور أول إمبراطورية هندية خالصة "موريا" في عام 324 ق.م، أصبحت البوذية هي ديانة الهند الأساسية، تختلط في مظاهرها بالهندوسية، وبدأ البوذيون الذين يقوم مذهبهم على عدم الاعتراف بالآلهة، يعترفون بها ويتقربون إليها، لذلك لم تكن مظاهر البوذية خالصة للبوذية، بل كانت خليطا منها ومن الهندوسية، ومن هنا أخذت البوذية تتلاشى شيئاً فشيئاً، ويندمج أتباعها في تقاليد وطقوس الهندوسية وآلهتها حتى ظهرت البوذية بمظهر الهندوسية. ويصل عدد معتنقي المذهب البوذي في الهند حاليا نحو10.3 ملايين بما يمثل 1% من مجموع الشعب الهندي، ويعيش معظمهم في أعداد صغيرة بحبال الهيمالايا. الجينيون Jain: الجينية هي إحدى الديانات المنتشرة في الهند، وإن كان أتباعها حتى الآن قليلين مثل البوذية، وقد قامت الجينية كما قامت البوذية في وقت ثارت فيه الطبقة المحاربة على البراهمة لاستحواذهم على جميع الامتيازات، وكان "مهاويرا" من هذه الطبقة المحاربة، فأسس هذه الديانة التي تختلف عن البرهمية الهندوسية، لاسيما في القول بتقسيم الناس إلى طبقات وفي عدم الاعتراف بآلهة الهندوسية الثلاثة، وعدم الاعتراف بمسألة تناسخ الأرواح، وأهم شيء في الجينية هو الدعوة إلى تجرد الإنسان من شرور الحياة وشهواتها. وعلى الرغم من قلة عدد أتباع هذا المذهب في الهند حالياً، حيث يمثلون أقل من 1% من مجموع السكان إلا أن معظمهم من أغنى الأغنياء وأنجح الناس في التجارة والمداولات المالية، حتى إنهم يعتبرون اليوم من الطبقة العليا اجتماعيا واقتصاديا وأسهموا إسهاما لا يستهان به في تراث الهند الثقافي والعقلي. السيخ Sikn: إحدى الديانات الهندية، يطلق معتنقوها على أنفسهم اسم السيخ، وتعني كلمة السيخ التابع، فهم يتبعون تعاليم 10 معلمين روحيين ويحتوي كتاب السيخ المقدس المعروف باسم "غودو حرانت حاهب" على تعاليم هؤلاء العشرة. وبعد وفاة ناناك كوّن السيخ قوة عسكرية للدفاع عن أنفسهم، ففي عام 1699م قاد "جونبدس ينج"، المعلم العاشر، مجموعة من الجنود السيخ عدة معارك من أجل تحقيق الاستقلال الديني، وحارب السيخ لإقامة مملكة مستقلة حتى عام 1849م عندما غزتهم بريطانيا. وبعد استقلال الهند عام 1946 طالب السيخ بولاية خاصة بهم في الهند. وفي عام 1966 أقامت الحكومة الهندية ولاية البنجاب التي يحكمها السيخ جزئياً، حيث تقع المدينة المقدسة للسيخ "أمرتسار" في هذه الولاية. وفي عام 1980 اتجهت بعض جماعات السيخ إلى القيام بأعمال عنف وتصاعدت حوادث الاقتتال الطائفي بين الهندوس والسيخ في مقاطعة البنجاب. مع ارتفاع أصوات السيخ في الإصرار على مواصلة النضال المسلح من أجل تحقيق حلمهم الكبير في تأسيس دولة السيخ المستقلة "خالستان"، الأمر الذي دعا الحكومة الهندية إلى إرسال قواتها إلى البنجاب في عام 1984. وتبلغ نسبة السيخ 1.9% يعيشون في المناطق الريفية في إقليم البنجاب. المسيحيون: ويقدر عددهم بـ23.6 مليون نسمة بما يمثل 2.3% من مجموع السكان، ويعيشون في المناطق الحضرية ويتركزون في ولاية كيرالا، وتاميل نادوا وجياو، ويشكل المسيحيون أغلبية في ثلاث ولايات صغيرة في الشمال وهي "ناجلاند"، "ميزورام"، و"ميغالايا". اليهود: توجد عدة جماعات يهودية في الهند من بينها بنو إسرائيل في بومباي، ويهود كوشين على ساحل مالابار، في ولاية كيرالا، واليهود البغدادية في بومباي أيضاً، ويهود مانيبور على الحدود مع بورما. وقد بلغ عددهم عام 1947 نحو 26.000. أما في عام 1961، فقد بلغ عددهم 14.608 في الهند ذاتها، إضافة إلى 23 ألفاً في إسرائيل، و2000 في إنجلترا حسب إحصاءات عام 1968، أي أن عددهم يبلغ نحو 39.500، وهو ما يعني أن نسبة التكاثر بين يهود الهند من أعلى النسب بين الجماعات اليهودية. وقد تأثرت كل هذه الجماعات اليهودية بالبيئة الهندية وبنظام الطوائف المغلقة. وكان شلومو عمار أحد أكبر الحاخامات في إسرائيل زار الهند قبل سنوات قليلة للبحث في هجرة آلاف المتحدرين المحتملين من سبط يهودي منسي. و زار قبيلة هندية يزعم أفرادها أنهم من نسل أحد الأسباط العشرة الضائعين. وتم فعلاً ترحيل 500 يهودي من قبيلة شيفانغ في ولاية ميزورام القريبة من الحدود مع بنغلادش ومياتمار. ويبلغ عدد اليهود في ولاية ميزورام نحو 800 ألف نسمة وهناك 720 ألف يهودي آخرين يعيشون في ولايات مانيبور وآسام وتريبورا. المسلمون: يبلغ عدد المسلمين في الهند حالياً نحو 123.5 مليون نسمة، يمثلون وفق نتائج الإحصاء السكاني في "الهند" للعام 2011 نسبة 14.2% من عموم السكان. وقد أتت ولاية "أسام" على رأس الولايات التي تشهد كثافة سكانية إسلامية مرتفعة. يمثل المسلمون نسبة 30.9% من إجمالي عدد سكان الولاية حيث تعتبر ثاني الولايات الهندية من حيث عدد المسلمين بعد جامو وكشمير ويبلغ عدد المسلمين بها 8.420.611 نسمة من إجمالي سكان 26.655.825 نسمة. وتعد ولاية كرالا الهندية أصغر الولايات مساحة وأكبر الولايات كثافة للسكان. وينتشر المسلمون في جميع أنحاء الهند لاسيما في مدن الشمال التي يمثل المسلمون ما يقرب من ثلثي سكانها. بالإضافة إلى جامو وكشمير وجزيرة لاكشاد دويب التي يمثل المسلمون نحو ثلثي سكانها، في حين يعيش ما يقرب من ربع مسلمي الهند في ولاية "أوتار براديش". ويوجد في الهند العديد من الهيئات والمؤسسات الإسلامية، بلغ عددها نحو 400 هيئة ومؤسسة وجمعية ولقد تسبب هذا في إثارة الكثير من المشكلات مما أدى إلى تفتيت وحدة المسلمين بالهند، ولقد حرم هذا المسلمين من مظلة تحميهم وتحافظ على هويتهم الإسلامية. وكان للهند ثلاثة رؤساء مسلمون حتى الآن هم:، د. ذاكر حسين, د. فخر الدين علي أحمد ود. أ.پ.ج. عبد الكلام. وحسب تقرير حكومي نُشر في 2006، يسمى تقرير سچار، يعاني المسلمون نقصاً نسبياً حاداً في تمثيلهم في مختلف مناطق الحكومة والمجتمع. وبين الحقائق الأخرى، اكتشفت اللجنة أنه في ولاية غرب البنغال، حيث يشكل المسلمون 27% من السكان، فإنهم يشغلون أقل من 3% من الوظائف الحكومية. وقد أثار تقرير سجار ردود فعل شديدة من وسائل الإعلام الهندية، بما فيها اتهامات للجنة الحكومية بالتحيز لصالح المسلمين. وقد أشار التقرير أن المسؤولية عن الحاضر الحالك للمسلمين في الهند تقع بالكامل على عاتق كل من الحركات الهندوسية وحزب المؤتمر. وقد أشار منتقدو التقرير إلى أنه يشجع "الفصل العاطفي (بين المسلمين والهندوس) الأمر الذي لن يمكـِّن المسلمين من المشاركة في المعجزة الهندية". ويـُتهم التقرير بإساءة تفسير البيانات والأرقام، والتحيز و"إساءة تفسير التفاوت بين المسلمين والهندوس". وكذلك انتقد زعماء حزب بهاراتيا جاناتا تقرير سجار، لكونه "مشوهاً، ذا دوافع سياسية وخطيراً"، كما أشاروا إلى أن اقتراحات نظام خاص لإعطاء المسلمين حقوقهم. وفي ظل تشجيع حكومة رئيس الوزراء الهندوسي "ناريندرا مودي" ممثل حزب "بهاراتيا جاناتا"، نظَّمت المجموعات الهندوسية مظاهرات ضد المعتقدات الأخرى، مطالبين بنشر الهندوسية بين المسلمين والنصارى؛ حيث أكد بعض نشطاء الجماعات الهندوسية اليمينية أنه خلال 10 سنوات سيتم تحويل المسلمين والنصارى إلى اعتناق الهندوسية. وبرلمانياً، طالب السياسيون ورموز العمل الإسلامي بولاية "مهارشترا" الهندية بزيادة حصة المسلمين من عضوية المجلس التشريعي، وذلك بعد فراغ 12 مقعداً، وخصوصاً مع تخصيص مقعد واحد فقط للمسلمين من بين 78 مقعداً بالمجلس. وقد انخفضت نسبة فوز المسلمين بمقاعد في البرلمان الهندي في الانتخابات الأخيرة؛ حيث أشارت النتائج إلى فوز 22 مسلمًا بالعضوية من بين 543 مقعدًا، بينما كان يتمثلون في البرلمان السابق ب 29 مسلمًا. وكانت هذه النتائج المخيبة للآمال في ظل الصراع المحتدم مع القوى الهندوسية التي أجلست "ناريندرا مودي" الهندوسي المتطرف على رأس الوزراء مجددًا، مع خلو بعض الولايات من المرشحين المسلمين مطلقًا، على الرغم من فوز 7 مرشحين بولاية "البنغال الغربية"، وذلك في ظل حالة الاستقطاب الحاد والاختيار على أساس طائفي بدعم القوى الهندوسية والعلمانيين. وأيضاً نتيجة انقسامهم والتنازع بينهم وذهاب بعضهم لتأييد الأحزاب الهندوسية والعلمانية؛ حيث أكد المحللون أن ذلك بمثابة فشل ذريع للمسلمين. وقد انقسمت أصواتهم بين "حزب المؤتمر" و"حزب سمجاواتي"، وبعضهم أيد الحزب الهندوسي المتطرف "بهاراتيا جاناتا"، الذي حصد 71 مقعدًا من 80 مقعدًا بولاية "أوتر براديش" التي يشكل المسلمون بها تأثيرًا. وكان حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي قد أصدر وثيقة باسم "انتشار الأحزاب الإسلامية الإقليمية وأثر ذلك على مكاسبهم الانتخابية"؛ حيث تضمنت الوثيقة الإشارة إلى فوز "حزب السلام" بـ4 مقاعد في ولاية "أوتر براديش" عام 2012، وحزب "الجبهة الديمقراطية لعموم الهند" الذي حصد 18 مقعدًا في ولاية "أسام"، وهو ما يسير لتغيير جذري في موقف الأقلية المسلمة سياسيّاً، وإقبالها على دعم الأحزاب الإسلامية الوليدة. وتشعر الأقلية المسلمة في البلاد بتزايد الاستقطاب الطائفي وتوسع القاعدة الإيديولوجية الفاشية للهندوس المتطرفين على نحو عميق. كما أن الكثير من المسلمين يعون حقيقة أن قيادتهم السياسية تقوم إلى جانب الجماعات الهندوسية بصب الزيت على النار بدلاً من رأب الصدع بين الطوائف المختلفة. وعلى أساس تجربتهم مع أحداث شغب وقعت قبل التقسيم وبعده رفض المسلمون بعد الاستقلال وعلى نطاق واسع المساعي المبذولة لإقامة حزب سياسي قومي يستند إلى قاعدة دينية. وبسبب النفوذ المتزايد للقوى الهندوسية، بنوعيها المتشددة و الناعمة، فإن العديد من المسلمين يساورهم القلق بأن هويتهم معرضة للتهديد. وبديهي أن يعزز هذا الأمر نفوذ القادة الدينيين المحافظين الذي يسعون لصياغة أجندة الجالية بمصطلحات دينية، مقللين من أهمية القضايا الخاصة بتمكين الاقتصادي والاجتماعي للمسلمين. هذا يفسر جزئياً سبب عدم إيلاء القادة الدينيين والسياسيين المسلمين اهتماماً جديراً لقضايا اجتماعية واقتصادية وتعليمية مركزين عوضاً عن ذلك على قضايا مرتبطة بالدين والهوية، وذلك رداً على دعاية وتعبئة مضادة للمسلمين يقوم بها قوى هندوسية متطرفة. إن التوتر الطائفي في الهند من الظواهر التي تشكل أحد أبعاد الحياة السياسية فيها وتتمثل خطورة هذا التوتر عندما يتفجر في اشتباكات ومصادمات دموية قد تنذر أحيانا باحتمال اندلاع حرب أهلية وقد تجسدت أبعاد هذه الظاهرة على نحو سافر لم تشهده الهند منذ استقلالها عام 1947 من خلال الاضطرابات والمذابح الطائفية التي وقعت في ولاية أسام في شهر فبراير 1983 ما أسفر عن مقتل نحو3000 شخص وتشريد 100 ألف نسمة وهجرة 30 ألف آخرين إلى الولايات المجاورة ويمكن إدراك الأبعاد الخطرة لأحداث أسام إذا تذكر أن ما وصف بأنه أعنف مصادمات طائفية في الهند بين الهندوراس والمسلمين خلال السنوات الأخيرة كان ما وقع خلال الشهور الخمسة الأولى من عام 1979 أبان حكم رئيس وزراء الهند السابق مورارجى ديساى. وتهدد المشكلة الطائفية وحدة المجتمع خصوصاً وأنها تقترن في السنوات الأخيرة بنمو القوى الأقلية في الولايات الهندية وتهديدها للحكومة المركزية وما يقترن بذلك من المطالبة بمزيد من الحكم الذاتي، وما يتردد أحياناً بصوت عال عن الانفصال والاستقلال. ويأتي إعلان زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري عن إنشاء فرع جديد لتنظيم "القاعدة" في شبه القارة الهندية, التي تتكون من: الهند وباكستان وبنغلاديش وبوتان ونيبال وسريلانكا ومالديف، سيعمل على عودة الحكم الإسلامي للمنطقة وإحياء الخلافة الإسلامية فيها. ليقدم حجة إضافية للحكومة الهندية لتعزيز تعاونها وعلى نحو خاص التعاون الأمني مع حكومة نتنياهو في مواجهة ما يسمى "الإرهاب الإسلامي". |
||||||