|
|||||||
|
على الرغم من مرور عدة أشهر على الحرب العدوانية التي يشنّها النظام السعودي بدعم أمريكي وبدعمٍ من بعض الأنظمة العربية، فإنّ هذه الحرب لم تتمكن من تحقيق أهداف السعودية في إخضاع الشعب اليمني وإعادة تعويم نظام عبد ربه منصور هادي التابع لها. فالسعودية، على الرغم من أنها استطاعت تدمير البنية التحتية لليمن، زادت من الظروف القاسية التي يعيش في ظلها الشعب اليمني، إلا أنها تبدو غير قادرة على حسم الصراع عسكرياً، لا بل أنّ جميع المؤشرات تشير إلى أنّ حكام السعودية قد تورّطوا في حرب استنزاف طويلة ستكون لها تداعيات سلبية على السعودية على كافة المستويات السياسية الاقتصادية الاجتماعية فضلاً عن علاقة السعودية بالشعب اليمني. إذا كانت القوات السعودية الإماراتية قد نجحت من خلال الدخول إلى عدن في الإخلال بميزان القوى لمصلحة قوات هادي، وتالياً السيطرة على بعض المحافظات في الجنوب، إلا أنّ ذلك لا يعني استتباب الأمر للنظام السعودي وسياساته، بل إنه سيؤدّي إلى مزيد من التورّط السعودي، وتحديداً في حرب استنزاف مديدة صعبة. فعدا عن استمرار القتال مع "أنصار الله" والجيش اليمني، إن كان في الداخل اليمني أو في المناطق السعودية في جيزان وعسير ونجران، فإنّ تواجد القوات السعودية في الجنوب سيثير معارضة الحراك الجنوبي الذي يطمح إلى استقلال الجنوب عن الشمال، وهذا ما يتعارض مع المخطط السعودي الذي يسعى إلى تحويل الجنوب إلى منطلق لمواصلة الحرب على "أنصار الله" والجيش اليمني من ناحية، وتثبيت أقدام هادي في الجنوب بما يتعارض مع رغبة الجنوبيين. من هنا، فإنّ استمرار التورّط السعودي في هذه الحرب سوف يؤدّي إلى تحميل السعودية أكلافاً مالية باهظة ستكون لها انعكاسات خطيرة كبيرة على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي في السعودية. فمن المعلوم أنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي أقوى دولة اقتصادية في العالم ويبلغ ناتجها القومي حوالي ١٥ تريليون دولار لم تستطع تحمّل كلفة الحرب واستمرار احتلالها للعراق نتيجة للمقاومة العراقية التي أدخلتها في حرب استنزافية يومية، فكيف سيكون في إمكان السعودية تحمّل كلفة حرب مماثلة في اليمن أكثر صعوبة، فيما حجم اقتصادها السنوي لا يبلغ أكثر من خمسمائة مليار دولار، في وقت تراجعت فيه أسعار النفط بنسب كبيرة، وأدّت إلى تنامي العجز في الموازنة السعودية. لذلك، يبدو من الواضح أنّ استمرار الحرب سيتسبّب بتوليد أزمة كبيرة للنظام السعودي بسبب عدم قدرته على تحقيق أهدافه من ناحية، وبسبب الاستنزاف المادي الكبير الذي تتكبّده السعودية من جراء هذه الحرب. من هنا، يمكن تفسير الحركة السعودية السياسية الأخيرة باتجاه روسيا التي رشحت عن إبلاغ ولي وليّ العهد وزير الدفاع السعودي محمد سلمان، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تخلي السعودية عن المطالبة بتنحية الرئيس بشار الأسد، واستعدادها للدخول في حلف إقليمي دولي لمحاربة الإرهاب بالاشتراك مع الدولة السورية. هذا التراجع في الموقف السعودي إزاء الأزمة السورية ما كان ليحصل لولا دخول السعودية في أزمة كبيرة نتيجة الحرب في اليمن. كذلك الفشل في تحقيق أهدافها في سوريا. وإذا كان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قد تراجع عن التزام السعودية والتعهّد الذي أعطاه محمد بن سلمان للرئيس بوتين، والذي أطلق على أساسه مبادرة لتشكيل تحالف دولي إقليمي لمحاربة الإرهاب، فإنّ ذلك جاء رضوخاً للضغط الأمريكي الذي لا يريد التخلي عن المطالبة بتنحية الرئيس الأسد لإبقاء ذلك ورقة في المفاوضات ليساوم بها سورياً للحصول على تنازلات. لكن من الواضح أيضاً أنّ الموقف السعودي هذا قد أصبح منسجماً مع الإستراتيجية الأمريكية بعدما كان على خلاف معها بالنظر إلى حلّ الأزمة في سوريا. كلّ ذلك يؤشر إلى أنّ السياسة السعودية باتت مربكة نتيجة غرقها في الأزمة المتولدة من الحرب في اليمن، وبالتالي، باتت في حاجة إلى من يساعدها للخروج من هذه الحرب العبثية المكلفة، وهذا ما يجعلها أكثر ارتهاناً للولايات المتحدة الأمريكية. في مطلق الأحوال، فإنّ النظام السعودي الذي خسر رهاناته على إسقاط النظام الوطني في سوريا أيضاً وفقد السيطرة على اليمن، بات أمام حقيقة فشله في احتلال أيّ موقع أو دور إقليمي مؤثر على مستوى المنطقة، وفاقم هذا الفشل الاتفاق الإيراني مع السداسية الدولية حول البرنامج النووي، وما أدّى إليه هذا الاتفاق من تعزيز قوة وحضور دور إيران وحلفائها في المنطقة، ما أثر سلباً على النفوذ الأمريكي السعودي في المنطقة، والذي كان يطمح إلى إضعاف إيران والقضاء على محور المقاومة لفرض الهيمنة الأمريكية الخليجية على كامل المنطقة، وتمكين العدو الصهيوني من تصفية القضية الفلسطينية. أسباب انتقال الحرب من جوية إلى برية أولاً: الصدمة الكبيرة التي ترتبت على إطلاق التحالف "الحوثي الصالحي" صاروخ من طراز (دوشكا) على معسكر لقوات التحالف في صافر في مأرب، أدى إلى إصابة مستودع للذخيرة، ومقتل ٩٢ جندياً، من بينهم ٤٥ إماراتياً و١٠سعوديين و٥ بحرينيين، والبقية من القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي. فسقوط هذا العدد الضخم من القتلى العسكريين، وبصاروخ واحد أثار غضب القيادتين السعودية والإماراتية، ودفعهما إلى التعجيل في الحرب البرية لحسم الحرب في اليمن لتجنب أي خسائر أخرى مماثلة. ثانياً: فشل الغارات الجوية في إحداث التأثير المأمول في تغيير وقائع الحرب، ودفع التحالف "الحوثي الصالحي" إلى الاستسلام والرضوخ للشروط السعودية، بتطبيق كامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم ٢٢١٦، وإخلاء المدن وتسليم الأسلحة، وعودة الرئيس الشرعي هادي إلى البلاد. ثالثاً: تصاعد الانتقادات الدولية، والأمريكية والأوروبية خصوصاً، لدول التحالف، والسعودية بالذات، بسبب تصاعد عدد الخسائر في صفوف المدنيين اليمنيين من جراء القصف الجوي، ووصول رقم الضحايا من المدنيين إلى ما يقارب العشرة آلاف قتيل، علاوة على عشرات الآلاف من الجرحى، وتدهور الظروف المعيشية لأكثر من ٢٥ مليون يمني بسبب الحصار البري والبحري والجوي الذي تفرضه قوات التحالف. حالة القلق التي تسود الرأي العام في المملكة العربية السعودية من جراء إطالة أمد الحرب وتفاقم الخسائر البشرية والمادية، ربما تكون أيضاً خلف عملية التسريع بإرسال القوات البرية، والاستعانة بقوات عربية، للإيحاء بأن هناك تضامناً عربياً مع المملكة العربية السعودية، وأنها لا تخوض هذه الحرب منفردة. الانتقال إلى الحرب البرية مغامرة صعبة محفوفة بالمخاطر، لأن احتمالات وقوع خسائر بشرية ربما تصبح أكبر، بسبب وعورة الجغرافيا اليمنية، وتقلب ولاء القبائل، وعدم خبرة القوات العربية، والخليجية أيضاً، في خوض حروب العصابات في مناطق جبلية، ولكن ضخامة هذه القوات، وحداثة الأسلحة التي في حوزتها، وبدائية أسلحة الخصم قد تعوض بعضاً من نقاط الضعف هذه. من الصعب التكهن بالصورة التي يمكن أن تكون عليها الحرب في الأسابيع، أو الأشهر المقبلة، لكن الأمر المؤكد أنها ستكون أكثر دموية، خاصة بعد تزايد احتمالات الانتقال إلى معركة صنعاء التي ستكون الأشرس بسبب الطبيعة الديموغرافية المتنوعة والمختلطة للمدينة، وطبيعتها الجبلية وتمترس القوات الموالية للحوثيين والرئيس علي عبد الله صالح فيها، في إطار استعداداتهم لهذه المعركة. قوات التحالف العربي قد تستعيد مأرب وتعز، وربما صنعاء نفسها، ولكن الحرب لا يمكن أن تنتهي بالانتصارات العسكرية، وإنما بالحلول السياسية، وعلينا أن نتذكر دائما القاعدة العسكرية التي تقول بأن الأرض تحارب دائما إلى جانب أصحابها. الأصابع الأمريكية في حرب السعودية على اليمن في نيسان وأيار من هذا العام، نشرت أهم وسائل الإعلام الأمريكية مثل (واشنطن بوست ونيويورك تايمز ويو إس نيوز ونيوز ويك) تحليلات للإجابة عن سؤال: "هل ستتمكن السعودية من الانتصار على اليمنيين؟"، وكانت الاستنتاجات تؤكد أنها لن تستطيع الانتصار وهذا يعني أنها لن تحقق أهداف هذه الحرب التي لا ناقة للسعودية فيها ولا جمل. فلا يعقل أن تكون واشنطن صاحبة أكبر المصالح الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط والأشد تحسساً لأي خطر داهم عليها هي التي توقع مع طهران على اتفاقية بمشاركة خمس دول كبرى وترفع العقوبات عنها، ثم نرى أن السعودية تشن حرباً على اليمن بحجة توجيه ضربة للنفوذ الإيراني في اليمن!. ومن الواضح أن مجرى أحداث هذه الحرب منذ آذار الماضي حتى الآن تدل على أن إدارة أوباما هي التي دفعت السعودية لشن حرب شاملة على اليمن وهما الدولتان الأكثر تعداداً للسكان في شبه الجزيرة العربية لكي تحقق عدداً من الأهداف التالية: أولاً: إعادة تفتيت الدولتين اللتين كانتا حليفتين لها أثناء حكم علي عبد الله صالح وكذلك أثناء حكم هادي عبد ربه، فقد وضعت المخابرات المركزية الأمريكية دراسات حول ضرورة تفتيت السعودية إلى دويلات للطوائف والقبائل في هذه المرحلة لأسباب إستراتيجية تخص مستقبل المنطقة ولأسباب اقتصادية يتوافر من خلالها تصدير النفط الأمريكي الصخري بشكل ينافس التصدير السعودي بعد تقسيم البلاد. ثانياً: تقدر وزارة الدفاع الأمريكية أن حرب السعودية على اليمن من المتوقع لها أن تطول وتستنزف بالتالي جزءاً كبيراً من الأسلحة والذخائر الأمريكية التي تستخدمها السعودية، وهذا ما سوف يوفر أرباحاً لصناعة الأسلحة الأمريكية بعشرات المليارات من الدولارات سنوياً إضافة إلى فوائد تكثيف وجود الخبراء الأمريكيين في السعودية. ولهذا السبب فرضت واشنطن في مجلس الأمن قراراً تدرك أن "أنصار الله" وجيش علي عبد الله صالح لن يوافقوا عليه لأنه يطالبهم بالاستسلام دون قيد أو شرط. وهذا ما سوف يوفر استمرار الحرب بين تصعيد ومناورات تطول لسنوات كثيرة. ثالثاً: يبدو أن واشنطن وضعت في توقعاتها إمكانية أن تزج موسكو نفسها في هذه الحرب، فتقوم بتقديم دعم عسكري لـ"أنصار الله" وجيش صالح بمجرد أن تبدأ الغارات السعودية على اليمن، ولكن روسيا أبدت حذراً وانتهجت سياسة تدعو إلى الحل السلمي من دون أن تتدخل إلا فيما يخص هذا الحل. لكن تحقيق هذه الأهداف الأمريكية ما زال يصطدم بقدرة صمود منقطعة النظير للشعب اليمني على الرغم من الفرق الهائل بين قدرة السعودية العسكرية والقدرة العسكرية اليمنية الشعبية المناهضة للهيمنة السعودية والأمريكية، بل إن القوى اليمنية المسلحة لـ"أنصار الله" والجيش الذي يقوده علي عبد الله صالح بدأت تزداد خبرة وقدرة خلال الأشهر الستة الماضية على اختراق الحدود السعودية والوصول إلى مواقع عسكرية قرب مدن سعودية، ويكشف الموقع الإلكتروني (بابليك راديو انترناشيونال) الخاص بإذاعة لندن الإنكليزية في تحليل بعنوان: "من الذي يربح في حرب السعودية على اليمن؟"، أن الدولتين السعودية واليمن هما الخاسرتان مع شعبهما ومصادر ثرواتهما من هذه الحرب وأنه ليس من المتوقع أن تنتصر السعودية وتحقق ما تريد في اليمن، بل إنها لن يكون بمقدورها تحقيق ما ترغب داخل السعودية حين تنتهي هذه الحرب، أي إن السعودية ستدفع ثمناً باهظاً على الرغم من أنها تعتقد أنها تفرض ثمناً باهظاً بشرياً ومادياً على الشعب اليمني. وقد أصبح من المؤكد الآن أن الحرب الأمريكية الإرهابية على سوريا وحرب السعودية على اليمن تحولتا إلى أول بوابة يدخل فيها الشرق الأوسط مرحلة "الحرب الباردة" الجديدة والاستقطاب والفرز على مستوى الساحة العالمية والصراع المحتمل فيها بين معسكرين سيكون من الطبيعي أن تكون سوريا واليمن فيها ضمن المعسكر الروسي الصيني ودول البريكس وأن تكون فيها السعودية ضمن معسكرها الأمريكي نفسه، فهل ستتمكن السعودية من حماية نفسها داخل المعسكر الأمريكي من الولايات المتحدة وخطتها التقسيمية لها؟ الحرب السعودية على اليمن وخارطة نهايتها على الطريقة الأمريكية يحاول عدد من المحللين الأمريكيين تسليط الضوء على العوامل المتشابهة أو المتقاربة في دلالاتها بين الحربين، فيرى (وليام بولك) المستشار السابق في مجلس السياسة الخارجية الأمريكي والمختص بشؤون الشرق الأوسط في تحليل نشره في مجلة (كونسوتيوم نيوز) تحت عنوان "حرب السعودية على اليمن تشبه الحرب على فيتنام أو أفغانستان" جاء فيه أن واشنطن حين شنت الحرب على فيتنام لم تكن تتصور أنها ستدوم ١١ عاماً وستستقطب قوى كثيرة داخلية وخارجية ضد الولايات المتحدة. ويعترف (بولك) بأنه قال لكينيدي حين كان يعمل مستشاراً في التخطيط السياسي الأمريكي أن فتح الحرب سهل لكن الصعوبة في كيفية إنهائها، وهذا ما حدث للسياسة الأمريكية في فيتنام والآن في أفغانستان. ويبدو أن عوامل التشابه بين الحرب الأمريكية على فيتنام وبين الحرب السعودية لا تتعلق هنا بتشابه بين قوة عظمى تقود كتلة دولية مثل الولايات المتحدة وبين السعودية الدولة التي تستند في كل شؤونها ومستقبلها على الولايات المتحدة، لكن عوامل التشابه هنا كانت من صنع الولايات المتحدة التي دفعت الرياض لشن هذه الحرب بدلاً منها. إن واشنطن هي التي زينت للرياض وجود نفوذ إيراني في اليمن وأخطار امتداده في شبه الجزيرة العربية، ووصفته لها بالخطر الذي يهدد المملكة لكي تدفعها إلى المبادرة بالهجوم بهدف ترتيب اليمن على طريقة سعودية، وهو نفس ما زعمته واشنطن عن نفوذ الشيوعية في فيتنام وضرورة منع وجوده وامتداده من فيتنام وتحالفت واشنطن مع كمبوديا ولاوس ودول في جنوب شرق آسيا في العدوان على فيتنام. في المقابل، دعت السعودية إلى تحالف ضم دول الخليج ومصر والسودان والمغرب والأردن ضد اليمن. كان الاستعمار الفرنسي قد قسم فيتنام بعد هزيمته فيها عام ١٩٥٤ إلى إقليمين، أحدهما شمالي وآخر جنوبي ضمن خطة إعادة توحيدهما بانتخابات عامة ثم فرض بقائهما دولتين وحكومتين، وهو ما يشبه اليمن الجنوبي واليمن الشمالي، وقد أصبح اليمن الجنوبي الآن قاعدة العمل العسكري والسياسي ضد اليمن الشمالي السابق بدعم سعودي- أمريكي للسيطرة على جميع أراضي اليمن وشعبه الواحد. كشف (دانا سوستير) المحلل المختص بالأمن الدولي في تحليل نشره في مجلة (فورين بوليسي) أن المؤسسة العسكرية الأمريكية تشترك بأشكال متنوعة في حرب السعودية على اليمن بدعم من البيت الأبيض ومن الكونغرس، ويعترف المشاركون الأمريكيون في الأعمال الحربية بأن السلطة السعودية الحاكمة أساءت التقديرات في هذه الحرب وصمتت الإدارة الأمريكية على سوء تقديرها لأن العاهل السعودي كان يتصور أن الحرب على اليمن ستنتهي بأسابيع قليلة أو بأشهر، وها هي تزداد تعقيداً أو تطول أكثر فأكثر دون أن تعرف السعودية وحلفاؤها كيف يمكن إنهاؤها. وبالمقارنة مع الحرب الأمريكية على فيتنام، كانت الإدارة الأمريكية تزيد من تورط الجيش الأمريكي كلما سقط منه قتلى في المعارك، وهذا ما بدأ يحدث الآن للقوات السعودية وحلفائها بعد سقوط ما يزيد على خمسين جندياً وضابطاً داخل أراضي اليمن. هذا ما دفع (كينت بولاك) البروفيسور في (مركز بروكينغز) للأبحاث الإستراتيجية إلى مطالبة أوباما (بكبح جماح السعودية وحلفائها من أجل مصلحتهم). فالولايات المتحدة تراقب انتكاسات الحرب السعودية وتلاحق مضاعفاتها على مصالحها وليس على مصالح المنخرطين في الحرب على اليمن، وأصبح من الواضح أن هزيمة السعودية في حربها ضد اليمن لن تلحق الأضرار إلا بمصالح السعودية وليس المصالح الأمريكية. ويتساءل (بولاك): هل ستقبل واشنطن أن تتحول حرب السعودية على اليمن إلى جزء من مسار الحرب الباردة التي أطلت برأسها؟ يبدو أن المصلحة الأمريكية تفترض تسخير كل حروب المنطقة باتجاه يخدم دورها في أي حرب باردة مقبلة على غرار ما فعلته في أوروبا حين استحضرت وبعثت عوامل حرب بين موسكو وكييف، وبين اليابان وكوريا الجنوبية والصين. وحين تصبح السعودية جزءاً في قلب شبكة أمريكية في أي حرب باردة مقبلة فسوف تخسر كثيراً. أما اليمن فسوف يجد نفسه أكثر استقلالاً في قراره ورسم مستقبله من السعودية على غرار ما جرى في فيتنام التي انتصرت وتوحدت وأصبحت طليعة الدول المستقلة في جنوب شرق آسيا. تراجع حلفاء السعودية عن الحوار وافقت جميع الأطراف اليمنية مبدئياً على الدخول في حوار يمني برعاية مندوب الأمين العام للأمم المتحدة، على أن تستضيف العاصمة العمانية مسقط هذا الحوار. بمعزل عن نتائج هذا الحوار، وما إذا كان سيفضي إلى نهاية للحرب اليمنية، أو على الأقل، يوقف قصف التحالف الذي تقوده السعودية لليمن أم لا، فإن جميع الأطراف وكذلك جميع المتابعين للأوضاع في اليمن يتساءلون اليوم عن الجهة التي تراجعت عن مواقفها اتجاه الحوار. من خلال المواقف المعلنة لكلا الطرفين ومقارنتهما مع أسس وشروط انعقاد الحوار المزمع في سلطنة عمان، يمكن التعرف إلى هوية الطرف الذي غير مواقفه. فمن المعروف أن حكومة المملكة السعودية والأطراف اليمنية الحليفة لها كانت تضع شرطين أساسيين للموافقة على الحوار وهما: ١- أن يكون مكان انعقاد الحوار المملكة العربية السعودية. ٢- الاعتراف بشرعية عبد ربه منصور هادي وانسحاب حركة "أنصار الله" والجيش اليمني من المدن اليمنية. من الواضح أن أياً من هذين الشرطين لم يتحقق، إذ أن المملكة السعودية لم تكن مكان الحوار أو راعية له أو مشاركة مباشرة فيه، بل لم تكن أي دولة من الدول التي تشارك في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية مضيفة للحوار. من المعروف أن هذا الشرط كان أحد شروط حركة "أنصار الله" و "أنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح" وبقية القوى الوطنية اليمنية للاشتراك في أي حوار. من ناحية أخرى، لم تلتزم الأطراف اليمنية جميعها بشكل مباشر في القبول بشرعية عبد ربه منصور هادي، ولكن تم القبول بذلك بصورة غير مباشرة من خلال الموافقة على قرارات مجلس الأمن كواحد من أسس الحوار، ولكنه لم يعد شرطاً مسبقاً لبدء المفاوضات، على الأقل من قبل الأمم المتحدة والدول الأخرى الداعمة لهذا الخيار. من البديهي أنه ما كان لعبد ربه منصور هادي أن يتجرأ على الخروج عن الإجماع حول الدعوة للحوار من دون شروط وعلى الأسس التي حددها مبعوث الأمم المتحدة، لولا التحريض والدعم من قبل حكومة المملكة السعودية، وبديهي أيضاً أن هذا الموقف المتعنِّت سوف تتحمل تبعاته الرياض عاجلا أم آجلاً. إن تراجع عبد ربه منصور هادي عن المشاركة في مفاوضات مسقط مع الحوثيين وحلفائهم برعاية الأمم المتحدة بعد يومين من الموافقة رسمياً، يؤكد أن التحالف العربي بقيادة السعودية اختار الحل العسكري وخوض الحرب البرية لاستعادة العاصمة صنعاء، خصوصاً وأن أكثر من ١٠ آلاف جندي وصلوا إلى منطقة صافر في أطراف محافظة مأرب، المدينة النفطية الإستراتيجية وبوابة العاصمة الشرقية استعداداً لإحكام السيطرة عليها والزحف نحو العاصمة، كما نشرت قوات التحالف صواريخ(باتريوت) للتصدي لأي هجمات صاروخية يطلقها الحوثيون وحلفاؤهم على قواتها، لتجنب كارثة كالتي وقعت قبل أسابيع، عندما أدى صاروخ من طراز (دوشكا) أطلقه الحوثيون وحلفاؤهم إلى مقتل ما يقرب من ٩٢ جندياً، بينهم ٤٥ إماراتياً و ١٠ سعوديين و ٥ بحرينيين، والباقي من القوات اليمنية الموالية لمنصور هادي. |
||||||