الإحداثيات الأمريكية لخرائط تفكيك سوريا:
تصغير الجغرافيا وتصفير الدور الإقليمي

السنة الخامسة عشر ـ العدد 172  ـ (جمادي الثانية  1437 هـ ) ـ (نيسان2016 م)

بقلم: مأمون كيوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

تتجدد بين حين وآخر السجالات حول تسمية سورية بـ"الجمهورية السورية"، أو الجمهورية العربية السورية، وذلك على خلفية مبررات، ودوافع موضوعية وطنية وسياسية واجتماعية وديموغرافية فضلاً عن متطلبات المرحلة السياسية التاريخية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وعلى نحو خاص سوريا – منتهية بالألف- أو سورية – المنتهية بالتاء المربوطة.

الكتابة الرسمية لاسم سوريا هي سورية، وذلك يعود للتأثر باللغة التركية العثمانية، التي استخدمت الأبجدية العربية، وكتبت أسماء العلم بالتاء المربوطة، أما في العربية، فالقاعدة توجب رسم الأسماء الأعجمية، وكذلك الأسماء فوق الثلاثية المسبوقة بياء بألف طويلة. دعيت البلاد باسم سوريا خلال العهد السلوقي في القرن الثالث قبل الميلاد، وعلى الرغم من ذلك فلم يرد في أي من الأدبيات العربية القديمة هذا الاسم، وأول من تناوله معجم البلدان لياقوت الحموي؛ أما في الأدب الإغريقي فإن هيرودت وهوميروس سميّا البلاد سوريا.

وبتتبع المسار التاريخي لعملية صياغة وتركيب هذا الكيان السياسي نجد أن خريطته السياسية تعرضت للتغيير مرات عدة وبالتالي تغيرت الهويات الوطنية والاثنية والاقلوية لتركيبته الديموغرافية.

بداية، في العهد القصير زمنياً للملكية في سورية ووفقاً لما عرف باسم دستور الملك فيصل أو للدقة مشروع الدستور المؤلف من 147 مادة , والذي عرض على المؤتمر السوري الذي أقر عدداً من مواده في 13 تموز 1920. كان شكل الدولة اتحادي واستقلال ذاتي واسع للمقاطعات (سوريا، لبنان، الأردن وفلسطين) حيث تدار على أساس الحكم الذاتي, ولكل مقاطعة حاكم عام يعينه الملك ومجلس نيابي وحكومة محلية.

لكن وخلال فترة الانتداب الفرنسي  تم إلغاء مشروع دستور المملكة السورية واستبداله في العام 1928 بمشروع دستور آخر ورزمة دساتير أعلن عنها في الأعوام 1930 و1932 و1936 لكل من لبنان والاسكندرونة ومنطقة العلويين وجبل الدروز. وتميز دستور 1943 بإدخال منطقة العلويين وجبل الدروز في الدولة السورية.

وتعددت دساتير عهد الانقلابات العسكرية، وتكرر فيها تعبيرا "الأمة" و"الأمة السورية". وفي عهد الانفصال تم إقرار إعادة تطبيق دستور 1950 مع بعض التعديلات وأهمها: تعديل تسمية الجمهورية من "الجمهورية السورية" إلى "الجمهورية العربية السورية" وهي التسمية السائدة حتى الوقت الراهن، وذلك حسب دساتير عهود "البعث" المتعاقبة. ولم تكرس في الوقت نفسه هوية وطنية واضحة المعالم لدواع "قومية" وخشية منزلقات وأخطار النزعات "الطائفية" و"المناطقية" و" القطرية" و"الإقليمية". حيث تجسدت تلك النزعات في مشاريع وحدوية وانفصالية أو تقسيمية منها: مشروع سورية الكبرى، والهلال الخصيب، ودول المدن كدولة دمشق ودولة حلب.

سورية الصغرى

تعددت في الآونة الأخيرة التحليلات والتنبؤات والسيناريوهات المتعلقة بخريطة "سورية الجديدة" أو "المفيدة"، مشفوعة بتعويذة تفيد أن "التقسيم هو الحل الابتدائي" الممهد لفدرلة لاحقة. ويبدو أن الشمال الجيوبوليتيكي لبوصلة التقسيم يتمثل في تصغير سورية وتصفير دورها الإقليمي وتصحيرها اقتصادياً، وإعادة إنتاج عملية فك وتركيب الكيان السياسي السوري ومكوناته الاجتماعية. لذا يجري تسويق مصطلح "سورية الصغرى" الذي يشير إلى قوس من الاحتمالات التالية حول معناه الجغرافي- الميداني- الديموغرافي:

الاحتمال الأول، لمعنى ومبنى "سورية الصغرى" قد يشمل دمشق الكبرى، ويستدعي في الوقت نفسه تجربة "دولة دمشق" البائدة(1920 - 1925) التي كانت تشمل مدن حمص وحماة ووادي نهر العاصي. التي فقدت الدولة أربعا من أقضيتها الفرعية التي كانت من ضمن دمشق في الفترة العثمانية وضمت إلى جبل لبنان ذي الأغلبية المسيحية من أجل تكوين دولة لبنان. والمقاطعات الأربع المنزوعة هي صيدا وطرابلس الشام وبيروت وسهل البقاع.

كما قد تعني "سورية الصغرى" الجديدة استحضارا لما كان يسمى "الاتحاد السوري" الذي شكله الجنرال هنري غورو عام 1923 من دولة دمشق ودولة حلب ودولة العلويين مؤقتا التي فصلت عن الاتحاد السوري في 1 ديسمبر 1924. ولاحقاً تحول الاتحاد السوري إلى ما عُرف باسم "الجمهورية السورية".

الاحتمال الثاني، هو أن تعني سورية الصغرى" حجماً جغرافياً فلكلورياً يستحضر "سورية الصغرى" النيويوركية أي (Little Syria)، أي الجزء الجنوبي من شارع واشنطن.

الاحتمال الثالث، تضمنه تقرير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية حول توقعات عام 2015، الذي أفاد أن " سورية الكبرى لم تعد قائمة. والمصطلح المتعارف عليه اليوم هو سورية الصغرى أي 20% – 30%من مساحة سورية. أما بقية الأراضي فهي كانتونات مستقلة، يحارب بعضها بعضاً".

الجدير ذكره، أن فرنسا عندما احتلت سورية قبل قرن من الزمن، عانت من تعقيدات "المسألة السورية" إلى درجة دفعت المؤرخ ميشيل كرستيان دافيه نحو القول في كتابه "المسألة السورية المزدوجة": "سوريا بالنسبة للجنرال ديغول هي أرض ملعونة ليس فيها سوى فاكهة مرة• إنها الوجه الآخر لميدالية براقة".

وجرى حل المسألة السورية في سياق حل المسألة العربية، أي بموجة استقلالات ومعاهدات أنتجت دولاً وكيانات سياسية ملكية وجمهورية• وكان الحل حلاً جزئياً وناقصاً من حيث شكله وجوهره، وارتباطه بحل المسألة اليهودية على حساب أحد مكونات المسألة السورية المتمثل جغرافياً وديموغرافياً بما سمي سوريا الجنوبية أي فلسطين، والفلسطينيون فظهرت المسألة الفلسطينية بتداعياتها الأيديولوجية وانعكاساتها على التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على الخرائط الجيوبوليتيكية لشرق المتوسط. وما يجري حالياً هو إعادة إنتاج المسألة السورية والصراع على سوريا الذي أنتج استقلالين: الأول عن فرنسا والثاني عن مصر.

إستراتيجية أمريكا السورية

تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دوراً رئيساً في إعادة رسم الخارطة السورية، وفق مصالحها، ودون أي اكتراث بالوحدة الجغرافية والسياسية السورية.

وفي هذا السياق، نشر "مركز القرن الواحد والعشرين للأمن والاستخبارات" التابع لمعهد بروكينغز، مؤخراً، دراسة تحت عنوان: "تفكيك سوريا.. نحو إستراتيجية إقليمية لبلد كونفدرالي". وأعد هذه الدراسة "مايكل أوهانلون" Michael O’Hanlon مدير برنامج السياسة الخارجية الباحث المتخصص في شؤون الأمن القومي في المعهد المذكور.

وتناول أوهانلون في الدراسة تطور السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الأزمة السورية منذ بداية ثورات الربيع العربي, ثم عرض إستراتيجية لتفكيك سوريا إلى مناطق حكم ذاتي تكون نواة لبلد كونفدرالي, مع تقييم هذه الإستراتيجية وتوضيح عدد من المخاطر المحيطة بتطبيقها.

وأوضح أوهانلون أن السياسة الأمريكية تجاه سوريا منذ بداية الثورات العربية، كانت عبارة عن سلسلة من سوء التقدير, حيث مرت هذه السياسة بعدة مراحل؛ ففي البداية تركزت على الدعم الشفوي لتغيير نظام "الأسد", وعلى مدار 18 شهراً تالية رفض فيها الرئيس "أوباما" التوصيات من كبار مساعديه في فريق الأمن القومي تسليح وتدريب المعارضة السورية, إذ إنه لم يكن متأكداً من وجود معارضة موثوق بها ويُعتمد عليها ستكون قادرة ليس فقط على كسب الحرب، ولكن أيضاً توحيد وتحقيق الاستقرار في البلاد.

وذكر "أوهانلون" أن إدارة "أوباما" كان لديها أمل في أن يؤدي تضاؤل المساعدات المالية، بالإضافة إلى الجنود المنشقين، إلى إجبار نظام "الأسد" على قبول نوع من ترتيبات تقاسم السلطة, والتي تتضمن رحيل "الأسد".

ومع الوقت، وحينما تراجعت قوات النظام السوري أمام المعارضة، ركزت إدارة "أوباما" جهودها على الدبلوماسية؛ ففي عام 2013 جعل وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" مفاوضات جنيف محوراً أساسياً لإستراتيجية واشنطن تجاه الأزمة السورية.

وأكد الكاتب أنه منذ يونيو 2014 عندما سقطت الموصل بيد تنظيم "داعش", اتضح أن السياسات الأمريكية تجاه الصراع في سوريا قد فشلت, فهذه السياسات لم تؤد فقط إلى حرب أهلية مُدمرة ومستمرة في سوريا, أو إلى زيادة هجمات "داعش" ضد الدول الغربية, ولكنها أدت أيضاً إلى سقوط أجزاء كبير من الأراضي العراقية في يد "داعش".

ونتيجة لهذه التطورات، وعدت إدارة "أوباما" بتخصيص نصف مليار دولار سنوياً كجزء من المساعدات التي تقدمها وزارة الدفاع الأمريكية إلى المعارضة السورية، إلى جانب تدريب 5000 مقاتل سنوياً، وذلك لمدة ثلاثة أعوام.

وظلت السياسات الرسمية لإدارة "أوباما" متفائلة، حيث تدعو لإسقاط "الأسد" وهزيمة "داعش", على الرغم من الشكوك المثارة حول مدى التزام واشنطن بسياستها في هذه المرحلة تجاه سوريا.

ويرى "أوهانلون" أن عملية السلام الآن في سوريا في حالة يُرثى لها, كما أن التدخل العسكري الأمريكي هو أمر غير مطروح في ظل الإخفاق الذي حدث لواشنطن على مدار عشر سنوات في العراق. كما يذكر الكاتب أن تقسيم سوريا على أسس طائفية لن يُعالج إشكالية التعامل مع المدن المختلطة الأعراق في البلاد, كما لن يُنتِج وسيلة فعالة لمواجهة "داعش".

ومن ناحية أخرى، فإن تشكيل جيش سوري جديد من عشرات الآلاف من المقاتلين وقادر على تحدي كل من "الأسد" و"داعش"، قد تبدو فكرة جذابة من الناحية النظرية, بيد أنها لا ينبغي أن تكون نقطة البداية في الوقت الراهن.

لذا، يذكر الباحث أن المسار الوحيد الجدير بالثقة في هذا الوقت، وهو إستراتيجية لتفكيك سوريا، وجعلها دولة كونفدرالية تتكون من مناطق حكم ذاتي بدلاً من أن تكون تحت حكومة مركزية قوية.

ويرى الباحث أن تدريب مقاتلي المعارضة في تركيا والأردن والدول الأخرى الصديقة، يجب أن يكون الخطوة الأولى في هذا الصدد. ولأن العديد من هؤلاء المقاتلين مترددون في ترك بلدهم والسفر إلى الخارج للتدريب, لذا يجب مساعدتهم من قِبل الولايات المتحدة وحلفائها على تأسيس مناطق آمنة وموثوق بها في سوريا, وهذه المساعدة لا تقتصر فقط على الدعم جواً، ولكن أيضاً براً عن طريق القوات الخاصة. كما ستكون هذه المناطق مستقلة يتم فيها تدريب مقاتلي المعارضة, بالإضافة إلى توفير الإغاثة الإنسانية للسكان بشكل أفضل مما هي عليه الآن, وذلك بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية, وأيضاً توفير هياكل للحكم المحلى بها على درجة من التقدم.

ويقترح الباحث أن تكون واحدة من هذه المناطق على الأقل متجاورة مع الأردن، والأخرى مع تركيا, وأن يتم إنشاؤهما بالتعاون مع عمَّان وأنقرة, بحيث تسمح مواقعها بتوفير خطوط مواصلات آمنة للأفراد، فضلاً عن الإمدادات العسكرية. كما أن واحدة من هذه المناطق ستكون للعلويين طالما لم يكونوا من المقربين لنظام "الأسد".

ويؤكد الباحث على حاجة هذه المناطق للدعم من قوة حفظ سلام دولية, وضرورة أن تكون واشنطن جزءاً من هذه القوة, فبدون وجودها سيكون ثمة شكوك حول استقرار أي تسوية. وبمجرد تكوين هذه المناطق مع الوقت، يتعين أن تندمج فيما بينها لتكون بمثابة النواة للكونفدرالية في سوريا. وفي بعض الحالات، إذا حدث صراع بين أعضاء المعارضة المعتدلة، فالأطراف الخارجية عليها أن تستخدم التهديد بوقف الدعم للحد من هذا السلوك.

وفيما يتعلق بالرئيس "بشار الأسد", يؤكد الباحث أن الإستراتيجية يجب أن تكون مُوجهة في جزء منها ضد "الأسد"، ولكن دون أن يكون الإطاحة به هدفاً عسكرياً صريحاً لها على المدى القصير, ولكن يتم تقليص الأراضي التي يحكمها حالياً نظام "الأسد"، ثم يتم الإطاحة به بناءً على خطة يتم تنفيذها تدريجياً.

ومن ناحية أخرى, يشير الباحث إلى أن هذه الإستراتيجية قد تُخفف من معارضة إيران وروسيا للنهج القائم في سوريا, وربما تُقلل من ميلهما لزيادة الدعم للأسد, فالإستراتيجية الجديدة توازن في تعاملها مع الدولتين ولا تجعل لهما دوراً أساسياً, كما أن طهران وموسكو يدعمان الكونفدرالية في سوريا طالما هي البديل عن الإطاحة الكاملة بالأسد أو القضاء على نفوذ العلويين في أي حكومة مستقبلية، أو البديل عن حرب أهلية مستمرة لأجل غير مسمى.

كما يؤكد "أوهانلون" على ضرورة استمرار هذه الإستراتيجية حتى في حالة سقوط نظام "الأسد"، ولكن بعد إدخال التعديلات عليها, لأنه في هذه الحالة ستظل المعارضة في حاجة إلى بناء قدراتها لمواجهة "داعش".

ويشير الباحث إلى أنه سيكون بالطبع ثمة مخاطر مرتبطة بإستراتيجية "تفكيك سوريا", ربما يُعد أكثرها وضوحاً احتمال وقوع ضحايا أمريكيين بسبب الهجمات من قِبل "داعش" أو "الأسد" على المناطق الآمنة التي تتواجد بها قوات أمريكية.

وتطرق الكاتب إلى خطرين آخرين ذات صلة بالإستراتيجية المُشار إليها؛ يتعلق الأول بهيبة الولايات المتحدة, حيث أنه بإعلان التزامها تغيير ديناميات ساحة المعركة في سوريا, فهذا يعني أنها ستخسر كثيراً من هيبتها إذا أثبتت عكس ذلك. ويرتبط التهديد الثاني بالحافز لدى "داعش" وحلفائها لضرب الولايات المتحدة والدول الغربية، إذا قامت واشنطن بالقتال المباشر ضده التنظيم هذا الإرهابي.

حكم ذاتي أم لا مركزية؟.

تناولت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في تقرير أعدته الكاتبة آن بارنارد، إعلان الأحزاب الكردية السورية المنطقة الفيدرالية، ونوه التقرير إلى ما يروج له الأكراد السوريون من أن هدفهم يتمثل في إضفاء الطابع الرسمي على المنطقة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، والواقعة تحت سيطرتهم خلال خمس سنوات من الحرب، بغية خلق نموذج لحكومة "لامركزية" في جميع أنحاء البلاد.

وأشار التقرير إلى اقتراحين يتعلقان بإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، أولهما يتمثل في طموح الأكراد في المنطقة، الذي طال أمده، لإنشاء دولة مستقلة. وإذا فشلوا في تحقيق هذا الطموح، فإنهم يأملون في الحصول على المزيد من الحكم الذاتي في الدول التي يتركزون فيها وهي: تركيا والعراق وإيران وسوريا، والتي تنظر إلى تلك التوقعات بدرجات متفاوتة من الهلع.

أما الاقتراح الآخر، كما يشير التقرير، فهو تسوية الحرب الأهلية السورية من خلال تقسيم البلاد، سواء إلى دول "هشة"، أو على الأرجح إلى نوع من النظام الفيدرالي الذي جرى طرحه مؤخراً من قبل المسؤولين السابقين في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ووضعه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في الاعتبار بصورة علنية، بيد أن كلاً من الحكومة السورية والكثير من جماعات المعارضة قد رفضه.

ويقول التقرير: "يركز الأكراد السوريون على أن مثل هذا الكيان لن يُطلق عليه إقليم كردستان، وإنما سيكون منطقة فيدرالية في شمال سوريا، حيث يتمتع فيها العرب والتركمان بحقوق متساوية. كما يلمحون بقوة إلى أنها ليست فكرتهم في الأساس، وأن القوى الأمريكية والآخرين هم من يدفعون بها؛ إذ سبق لأحد كبار المسؤولين السابقين في الإدارة الأمريكية، وهو فيليب غوردون، أن اقترح تقسيم سوريا إلى مناطق تعادل تقريباً المناطق التي يسيطر عليها الآن كل من الحكومة السورية وتنظيم داعش الإرهابي والميليشيات الكردية وغيرها من الجماعات المسلحة".

وفي تقرير آخر، حذرت صحيفة نيويورك تايمز، الأمريكية، من خطر تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية. فقد مرت خمسة أعوام منذ دخول سوريا في صراع وحشي، وبات من الصعب تخيل عودتها إلى حدودها كدولة موحدة، بغض النظر عن الكلام الدائر في المحادثات الحالية بشأن عملية انتقالية.

ولفتت الصحيفة إلى أن المفاوضين بدأوا يتبنون رؤية جديدة مختلفة كلياً وتتعلق بالتقسيم. وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عند حديث له أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، عندما لوح بأنه في حال لم تصمد الهدنة الحالية، وفشلت المفاوضات السياسية حول سوريا، فقد يكون التقسيم بمثابة خطة بديلة. وكان الروس قد طرحوا علانية فكرة الحل الفيدرالي ".

وبرأي الصحيفة، لن ينهي التقسيم أو الكونفدرالية الحرب الأهلية، والكارثة الإنسانية الناجمة عنها. و أن التقسيم الناتج عن الحروب لطالما كان سمة مريبة. فعلى سبيل المثال، في كوريا وألمانيا، أدى التقسيم لتعرض قطاع كبير من المجتمع لقمع وحشي، ولزرع بذور حروب لاحقة. وفي الهند أدى التقسيم، وانفصال باكستان، لحدوث شرخ ديموغرافي هائل، وخصومات دائمة. كما أثبت تقسيم فيتنام في عام 1954 أنه هش وغير مستدام.

ولكن، قد يؤمن التقسيم، في ظروف استثنائية، استقراراً طويل الأمد نسبياً، والأمان لتجمعات سكانية صغيرة ومعزولة. فقد قسمت قبرص منذ 40 عاماً، وتقوم قوات تابعة للأمم المتحدة بحراسة الخط الأخضر الفاصل بين القسمين اليوناني والتركي من الجزيرة القبرصية بانتظار التوحيد. وساد استقرار مماثل في أيرلندا الشمالية عندما ساعدت اتفاقية بلفاست لتقاسم السلطة على التغلب على توترات متبقية. وأما تقسيم البوسنة، وفق اتفاقيات دايتون، فقد أنهى حرباً دموية بين الصرب والمسلمين البوسنيين والكروات. ولكن في جميع تلك الحالات، ساهم، في تسهيل التقسيم، تمتع أوروبا بسلام واستقرار، وبوجود هيئة نافذة ممثلة بالاتحاد الأوروبي منعت حدوث صدامات ومعارك أخرى.

النموذج السوري الفريد

بحسب نيويورك تايمز، لا شيء من تلك الأمثلة ينطبق على سوريا. فقد نشب الصراع السوري في ظل ظروف استثنائية. ولم تستطع الجامعة العربية إنهاءه. كما غذته أطراف خارجية، وخاصة إيران وروسيا لصالح النظام، وساهمت قوى أخرى عديدة في دعم قوات المعارضة. وكان الصراع أكثر دموية، وأطرافه عديدون ومسلحون بعتاد ثقيل، وليس كما كان الحال في قبرص أو أيرلندا.

وترى الصحيفة بأن الحل الوحيد لإنجاح التقسيم في سوريا يكمن في انخراط قوى خارجية للاتفاق على هدنة تجمد الصراع وتعزل داعش، واستخدام القوة برعاية الأمم المتحدة لفرض الهدنة وتسهيل التقسيم ومنع قوى إقليمية من التدخل لإعادة ترتيب الأوضاع وفقاً لمصالح جيوسياسية.

وذلك بدوره، يتطلب مشاركة قوة حفظ سلام متعددة الجنسيات كبيرة، وقد تشارك فيها قوات أمريكية ومن الناتو، إلى جانب فرق عربية، وربما عناصر روسية. ومن شأن مثل تلك القوة أن تعيد توزيع سوريين في مناطق آمنة، وخاصة لمن لا يجدون اليوم الأمان والاستقرار في أوضاعهم الراهنة.

ويرى كريس هارمر من "معهد دراسات الحرب" في واشنطن أن السياسة الأمريكية العقيمة تجاه الأزمة السورية أدت إلى ظهور واقع سوري يدعو للتقسيم والاعتراف به أي الاعتراف بالواقع الذي يتشكل بفعل التدخل الروسي واستغلال الأكراد للفوضى في شمال سوريا لتقوية موقعهم والدفع بالتالي لخيار بات الكثيرون في الإدارة الأمريكية يعترفون به وهو التقسيم. الذي بات أقرب من ذي قبل. فنحن أمام سوريا مفككة إلى محاور أربعة – جهادستان وعلويستان وسنستان وكردستان.

سيناريو "البلقنة"

اعتبر مايكل ويز وفي مقال كتبه في موقع "دايلي بيست"، أن سوريا قد تواجه سيناريو "البلقنة" حيث تحكم من قبل أمراء حرب وجماعات إرهابية أو طائفية يخوضون حروباً مستمرة نيابة عن وكلاء في الخارج. وأن خطة "B" الأمريكية هي نفسها الخطة "A"التي طبقتها في العراق. والمعادلة التي طبقها أوباما في العراق يحاول تجريبها في سوريا وهي الاعتراف بمحور تأثير إيراني يتعاون مع المحور الكردي المدعوم من الولايات المتحدة، وهذا المحور في سوريا معاد لتركيا على خلاف المحور الكردي العراقي. وبين المحورين الإيراني والكردي هناك محور حرب سني بينهما.

وتحدثت ورقة نشرتها مؤسسة "راند" في كانون الأول/ديسمبر 2015 وساهم فيها فيل غوردون الذي كان حتى وقت قريب منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج، عن وقف إطلاق النار على مستويات عدة تشرف عليه الولايات المتحدة، روسيا وإيران. وبعد ذلك تأتي خطوة لإنشاء "محاور متفق عليها" وهو تعبير مؤدب لوصف محاور التأثير الاستعماري لإدارة سوريا أو الانتدابات المصغرة عليه.

وبحسب هذه الرؤية فهناك ثلاث مناطق متجاورة، وبعضها غير متجاور على غرار الوضع الفلسطيني والانقسام بين غزة والضفة الغربية. والمحور الأول هو محور النظام الذي سيمتد على طول ساحل البحر المتوسط ومن جنوب الحدود التركية ويمر عبر مناطق دمشق وحمص. أما المحور الكردي فسيضم مناطقهم التي يطلقون عليها "روج آفا" وأما الثالث فسيتوزع بين منظمات المعارضة السورية التي تضم "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" وجماعات سلفية أخرى وستدير مناطق غير متجاورة مثل إدلب وحلب وحماة ودرعا في الجنوب. وهناك محور رابع وهو منطقة سيطرة تنظيم الدولة لإسلامية في الرقة ودير الزور وتدمر. وبعد طرده منها ستتم إدارتها من تحالف دولي.

وتشير الورقة إلى أن كل منطقة من مناطق التقسيم سيكون لها ضامن دولي، فالكانتون العلوي سيضمنه الروس والكردي سيحميه الأمريكيون أما المناطق السنية فستضمنها تركيا والأردن. وجميع هذه القوى الضامنة ستشترك في الحرب ضد تنظيم "الدولة" وهزيمته.

وتعد رزمة الخطط والسيناريوهات الأمريكية ترجمة لأفكار وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر، الذي قال في ندوة نظمتها "مدرسة جيرالد فورد للسياسة العامة"، التابعة لجامعة ميشيغان، حول مآلات الملفّ السوري:"هنالك ثلاث نتائج ممكنة: انتصار للأسد، انتصار للسنّة، أو نتيجة تنطوي على قبول مختلف القوميات بالتعايش معاً، ولكن في مناطق مستقلة ذاتياً على نحو أو آخر، بحيث لا تقمع بعضها البعض. هذه هي النتيجة التي أفضّل رؤيتها تتحقق. لكنها وجهة نظر لا تحظى بشعبية". كما أشار كيسنجر إلى  أن "سورية، أوّلاً، ليست دولة تاريخية Historic State. لقد خُلقت، في هيئتها الراهنة، سنة 1920، وأُعطيت هذه الهيئة بغرض تسهيل سيطرة فرنسا على البلد، وكان ذلك قبل انتداب الأمم المتحدة. العراق، البلد الجار، أُعطي بدوره هيئة عجيبة، لتسهيل سيطرة إنكلترا. وهيئتا البلدين صُمّمتا على نحو يجعل من الصعب على أيّ منهما أن يسيطر على المنطقة. والوحدة الوطنية السورية مصطنعة، ولا تقوم إلا على قبائل مختلفة ومجموعات إثنية".  

اعلى الصفحة