الكيان الصهيوني في مواجهة التحديات الأمنية

السنة الخامسة عشر ـ العدد 173 ـ  (رجب - شعبان 1437 هـ ) ـ (أيار 2016 م)

بقلم: عدنان عدوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

في المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي الذي يستخدم عادة منصة يعرض من خلالها القادة السياسيون والعسكريون رؤاهم الإستراتيجية, أظهرت قراءة جلسات هذا المؤتمر لهذا العام والذي حمل عنوان: "التقويم الاستراتيجي لـ(إسرائيل) 2015م – 2016م" فجوة كبيرة بين أركان الحكم في الكيان، سواء على صعيد: القدرة، والقوة، منطق الخطاب، والتباينات بين الأحزاب.

وكان القادة السياسيون والعسكريون يخرجون بمواقف شبه موحدة، ولكن في هذه السنة، ظهرت الخلافات في الطروحات بين العسكريين، من جهة، وبين السياسيين من جهة أخرى، خصوصاً فيما يتعلق بالتهديدات المحدقة بالكيان.

حيث تناول المؤتمر لهذا العام قضايا ذات أهمية، منها: قواعد اللعبة الدولية في ظل التغيرات الإقليمية، بالإضافة إلى تأثيرات الاتفاق النووي مع إيران على المنطقة والكيان، وتأثيرات تواجد القوى العظمى في الشرق الأوسط، في ظل تعاظم الوجود الروسي وابتعاد الولايات المتحدة عن تفاصيل الأحداث وصناعتها بمستويات واضحة”.

بالإضافة إلى مواجهة "موجات التطرف في المنطقة"، والحالة الأمنية في الشمال وقوة حزب الله، مضافا إلى ذلك قوة المقاومة الفلسطينية وتماسك الجبهة الجنوبية، عدا عن الضفة الغربية والواقع الأمني فيها.

كما وضعت في الميزان جدارة حكومة نتنياهو ومدى قدرتها على مجابهة التحديات الناشئة عن الانتفاضة الفلسطينية وعن تصاعد عمليات المقاومة الجديدة الغامضة والمركبة التي تزيد أجهزة المخابرات والقمع حيرة وعجزا في تحديد طرق المواجهة والأهداف والوسائل الناجعة لردع تعاظم انتشار العدوى في صفوف فتيات وفتيان فلسطينيين يطلبون الاستشهاد ويحولون حياة المستعمرين وجنود الاحتلال إلى جحيم بعمليات الطعن والدهس واحيانا بعمليات عسكرية استشهادية تقضي على قادة ومسؤولين تتسرب تكهنات عن هوياتهم رغم التعتيم والتكتم الشديدين كما حصل في تصفية من تردد أنه مدير عمليات الموساد مع خرس رسمي دون النفي او التأكيد.

إيران العدو المركزي

يتلخص أهم ما طرحه وزير الحرب موشيه يعلون في المؤتمر أنّ عدو "إسرائيل" المركزي هو إيران، وقد انتقد يعلون الاتفاق النووي قائلاً إنّ المصالح اليوم هي الأهم في العلاقات، معتبراً إياها أهم من المراسم ومؤتمرات السلام، وتابع بقوله إنّه يوجد معسكران؛ الأول أراد الاعتماد على قيادة أميركية لكنّ أمله خاب أحيانا لأنّ الأميركيين يرون في إيران شريكة، والمعسكر الآخر يرى العدو في داعش، ويعلّق يعلون على ذلك: "إذا كان الخيار بين إيران وداعش، فإنّني أفضل داعش". 

كما تحدث عن عمق العلاقة بين تل أبيب والرياض، فقد قال يعالون إنّ المحور المُهّم هو المحور "السُنيّ - السياسيّ" بقيادة السعوديّة، وتابع "لإسرائيل توجد مصالح كثيرة مع المحور السُنيّ". 

وشدّدّ على أنّ الأمر الأكثر أهمية بالنسبية للكيان هو إقامة علاقات مع هذا المحور، فذلك أهّم بكثير من الاتفاقيات والاحتفالات، على حدّ تعبيره. ولفت إلى أنّ هذا المحور غاضب جدًا من أمريكا، التي ترى في إيران لاعبًا مركزيًا ومفصليًا في منطقة الشرق الأوسط

أما غادي آيزنكوت رئيس هيئة الأركان العامة في جيش العدو فقد أكد أننا "ما زلنا نضع إيران على رأس سلم أولوياتنا، فبالرغم من الالتزام على المدى القصير ببروتوكولات الاتفاق النووي، ستعمل إيران مع ذلك من أجل الحصول على أسلحة نووية في الأعوام الـ(15) المقبلة، وهي الفترة الزمنية التي وافقت فيها طهران على عدم تخصيب اليورانيوم فوق المستويات المنخفضة". وتابع آيزنكوت "إن إيران تعطي حزب الله حوالي 1 مليار دولار سنويا، وبأن الحزب لا يزال يشكل تهديدا مركزيا".

وحذر آيزنكوت من "أن التهديد الأكثر إلحاحا هو العنف اليومي في الضفة الغربية والقدس، و أنه قد يستمر في المستقبل المنظور". واصفاً موجة العنف الحالية بأنها "الأكثر إثارة للقلق، وأنه يجري تعليم الأولاد الفلسطينيين بالسيف والقرآن".

بخصوص غزة، حذر آيزنكوت من "أنه مع الدعم الإيراني، قد تكون حركة حماس قادرة على إستئناف المعارك مع إسرائيل". وقال "إن الهجمات الصاروخية المتقطعة جنوبي إسرائيل في العام الماضي قامت بتنفيذها جماعات سلفية متطرفة في قطاع غزة تعارض حماس، وإن المنطقة في عام 2015 كانت أهدأ من أي نقطة أخرى منذ 1970، ولكن هذا الهدوء قد لا يدوم". 

وقدم إسحق هيرتسوغ رئيس "كتلة المعسكر الصهيوني" خلال المؤتمر ما اعتبره مبادرة سياسية "لحلّ الصراع"، وتتضمن أفكاره الفصل بين جزء من البلدات الفلسطينية في القدس الشرقية وباقي المدينة، قائلاً:"العيسوية ليست جزءاً من عاصمة إسرائيل الأبدية ولن تكون، ولا مخيم شعفاط كذلك". ويقترح إعادة توحيد المدينة باستثناء مئات آلاف الفلسطينيين الذين سيكونون في الجانب الآخر من الجدار، فهو يريد الانفصال عن أكبر عددٍ ممكن من الفلسطينيين: "هم هناك ونحن هنا، سنبني سوراً كبيراً بيننا، وهذا هو التعايش الممكن"، حسب قوله. وأكمل مداخلته باقتراحه خطواتٍ لبناء الثقة بين "إسرائيل" والفلسطينيين، وذلك بالسماح للفلسطينيين بأن يتطوروا في "المستوى المدني"، ولكن من خلال استمرار السيطرة العسكرية "الإسرائيلية" على الضفة الغربية، وشنّ هجمات ضدّ حماس، وعقد مؤتمر أمنيّ إقليميّ بمشاركة الدول العربية التي يسميها هيرتسوغ "المعتدلة".

وقال رئيس كتلة "البيت اليهودي" ووزير التربية والتعليم الإسرائيلي "الفرضية السائدة في إسرائيل هي أنّ جيشها هو الأفضل في العالم، لكنّ كل طائرات إف-35 الثمينة جداً لن تساعد مقابل خمسة مقاتلي كوماندوز فلسطينيين يحفرون الطريق إلى ناتيف هعسرا (بلدة قريبة من الحدود مع غزة)" حسب تعبيره.

وخلص المؤتمر في نهايته الى عدة توصيات قدمها "معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب" في ختام التقدير الاستراتيجي السنوي الصادر أخيراً عن عام 2016 إلى حكومة العدو، والذي تناول التهديدات والفرص في البيئة الإقليمية والدولية، مع تحليل آثارها في الوضعين السياسي والأمني أهمها:

1- الموضوع النووي الإيراني الذي يشكل تهديداً وجودياً كامناً على "إسرائيل"، وعليها أن تعمل على منع تسلح النظام المتطرف الذي يدعو إلى إبادتها بسلاح ذري.

2- على "إسرائيل" المبادرة إلى اتفاقات موازية مع الولايات المتحدة، تسمح لهما بالتنسيق في الموضوع الإيراني. والى إقامة جهاز تنسيق استراتيجي يشمل عقد لقاءات دورية ومنظمة لمناقشة التطورات الإيرانية وأنشطتها، إضافة إلى تنسيق النشاطات في مقابلها.

3- سوريا هي القناة الإيرانية في العالم العربي، وعبرها تحافظ على التواصل وتعزيز حزب الله وأيضاً تعزيز مجموعات فلسطينية متطرفة، لذلك فإن إضعاف نظام الرئيس بشار الأسد واقتلاعه من الحكم، مصلحة إسرائيلية واضحة. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، على "إسرائيل" تطوير أدوات جديدة وإبداعية وأكثر فعالية، وذلك عبر التعاون مع حليفتها الولايات المتحدة ودول أوروبا، ومع تركيا والمملكة السعودية، المعنيتين أيضاً باقتلاع إيران من سوريا واستبدال نظام الرئيس الأسد.

4- ينبغي "لإسرائيل" أن تضمن إضعاف جهات المحور الراديكالي قدر الإمكان في سوريا المستقبلية، وإبعادها قدر الإمكان عن الجولان. إذا تم تقسيم سوريا، فإن الجهات السورية التي يمكن "لإسرائيل" أن تتعاون معها هي "التنظيمات السنية المعتدلة" والدول الداعمة لها، مثل السعودية ودول أخرى في الخليج، إضافة إلى الأردن وتركيا.

5- التهديد النووي الإيراني تم تجميده لعدة سنوات، والجيوش النظامية على الحدود المحاذية "لإسرائيل"، إما تربطها "بإسرائيل" اتفاقات سلام، وإما تقوّضت قدراتها في حرب أهلية طويلة. فالتهديد العسكري الأساسي الماثل أمام "إسرائيل" في هذا الزمن هو حزب الله، الذي يواصل مراكمة قدراته بأسلحة هجومية ودفاعية من إنتاج روسي وإيراني وسوري.

صمود الفلسطينيين

وفي رام الله رأت دراسة بحثية حديثة، أن سعي الشعب الفلسطيني للتحرر من الاحتلال الصهيوني، أفقد الكيان الصهيوني شعوره بالهدوء، وجعله من أكثر أماكن العالم التي تواجه مخاطر أمنية. وبحسب دراسة أعدها مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي، وحملت عنوان "استراتيجية إسرائيل للعام 2016 في مواجهة التحديات الأمنية"، فإن الاحتلال يواجه خطراً متزايداً من التحديات الأمنية والداخلية، والتي تدفعه في كل عام إلى بلورة إستراتيجية أمنية تلائم التغيرات، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي.

وأوضح رئيس قسم دراسات الشأن "الإسرائيلي" في المركز عماد أبو عواد، أن من أبرز تلك التحديات التي تواجه الكيان الصهيوني، تتمثل في ملف الأمن الداخلي، حيث أظهرت الحرب الأخيرة على غزة (عام 2014) فشل الاحتلال في تحقيق الردع، "فلم تستطع طيلة 51 يوما من المعارك من تحقيق أهدافها المعلنة، والتي بدت مستحيلة في ظل وجود مقاومة استعدت جيدًا لملاقاتها."

وحول أحداث انتفاضة القدس، رأى أبو عواد أنها: "أظهرت ضعف الجبهة الداخلية الإسرائيلية، والتي قال حولها "بنيامين نتنياهو" إننا لا نملك حلولا سحرية، ملوحا باتخاذ خطوات قمعية أكبر لمواجهة الانتفاضة الفلسطيني".

أما بالنسبة للتغيّرات الإقليمية، فأشار أبو عواد إلى أن "إسرائيل" تدرك وبشكل جدي بأن التغيرات الحاصلة في الإقليم لن تكون في صالحها، وإن كانت "إسرائيل" مستفيدة من الحروب في محيطها، لإضعاف كافة خصومها.

وقال عواد: "إن "إسرائيل" لا تنظر بارتياح إلى الخلخلة الحادثة للأنظمة العربية الصديقة وعلى رأسها الأردن ومصر".

وأجمع طاقم الباحثين في المركز" على أن "إسرائيل" تعدّ أن حزب الله، لا يزال يشكل زاوية قلق مهمة لها، فيما ترى بأن الاتفاق النووي الأخير مع إيران ضار بمصالحها.

أما بخصوص إستراتيجية "إسرائيل" الأمنية المقبلة، فيرى الباحثان (مدير المركز علاء الريماوي، ورئيس قسم الشأن الإسرائيلي في المركز عماد أبو عواد) أنها أبقت استعدادها لإمكانية استمرار الأوضاع الحالية في سوريا والشرق الأوسط لسنوات طويلة مع إمكانية عدم عودة سوريا كدولة واحدة.

وأفاد الباحثان: "الاستعداد الإسرائيلي لإمكانية مواجهة عسكرية أقوى وأكبر مع حزب الله اللبناني، الذي تعاظمت قدراته التسليحية في الفترة الأخيرة، مع الأخذ بعين الاعتبار الدور الروسي في المنطقة".

وحول العودة للمفاوضات، فستتوجه لها "إسرائيل" للوصول إلى حل سياسي، وفي حال فشل ذلك، فإنها قد تقوم بعملية انفصال فعالة عن الفلسطينيين، من أجل حفظ أمن سكانها.

وعلى الحدود مع غزة، فتعد "إسرائيل" الجيش الصهيوني لمواجهة أخرى مع غزة في ظل تعاظم وازدياد قوة حماس الصاروخية وبنائها للأنفاق، مع تفعيل الدور المصري في حصار حماس في غزة، والعمل على إشعال فتيل حرب بين مصر وغزة، بحسب تقدير المركز.

وخلص التقرير إلى أنه، على الرغم مما حققته "إسرائيل" في ملفات العلاقة مع الدول العربية، وتفتيت دول كالعراق وسوريا، ونجاحها في تجنيد دعم عسكري مهول من الولايات المتحدة ودول أوروبية، إلا أنها لا تزال تتحسب لانهيار أي من جبهات الشمال والجنوب.

وأضاف المركز "هذا الانهيار أعد أمامه الاحتلال، استعدادات لمواجهة مشتركة على جبهة الشمال(سوريا لبنان)، كما تحسب لمواجهة في الجنوب".

وأضاف "لكن في المقابل أدركت إسرائيل أن هناك ثلاثة مواطن ضعف تعتريها ويمكن تلخيصها عبر: ضعف المؤسسة السياسة الإسرائيلية، وانحسار قوة القيادات العسكرية الإسرائيلية، لصالح قيادات أمنية متوجسة ومترددة، وكذلك كفاءة المقاتل الإسرائيلي؛ حيث باتت قدرة الجيش إحدى المعضلات التي تعيق تحركا إسرائيليا ساخنا برغم ما تمتلكه إسرائيل من قدرات مهولة".

وقال مدير مركز القدس علاء الريماوي: "العام 2016 يحمل لإسرائيل كثيرا من الألغام في المساحة الأمنية، ويحمل أيضا تحولات ستتضح في الربع الأخير من العام الجاري، والذي من شأنه التأسيس لتحولات أعمق في المنطقة".

وأضاف "مباعث التغيير يحدد كل طرف من الأطراف، حجم دعم توجهاته، الأمر الذي يتطلب من الجانب الفلسطيني، تعزيز رؤية وطنية تفهم الساحات المحيطة، لنجاح بيئة تخفف من حجم الضرر وتعظم من الإنجازات".

بين الفرص والتحديات

كما نظم مركز رؤية للدراسات والأبحاث ورشة عمل موسعة لمناقشة التقرير الاستراتيجي للأمن القومي الإسرائيلي الصادر عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب، بعنوان: "قراءة في الفرص والتحديات التي تواجه الأمن القومي الإسرائيلي خلال الفترة المقبلة".  من خلال تقديم قراءة وتحليل للتقرير من مجموعة من الباحثين السياسيين، عبر تقسيم التقرير لأربع محاور رئيسية، هي المحور الدولي والمحور الإقليمي ومحور العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية والمحور الإسرائيلي، حيث رصد أبرز التحولات في البيئة المحيطة بإسرائيل ولاسيما الساحة السورية، ورصد ملامح الفكر الوقائي الإسرائيلي وتحديد نهج عملها سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً واقتصادياً .

أعتبر التقرير أن الموضوع الفلسطيني هو التحدي الاستراتيجي الرئيسي الماثل أمام إسرائيل، على الرغم من أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منعزل نسبياً عن الصراعات الأخرى التي تدور في المنطقة. بسبب تراجع الهوية القومية في أجزاء واسعة من الشرق الأوسط، والتي همّشت المسألة الفلسطينية بعد ما كانت طوال سنوات كثيرة محط إجماع مركزي موحِّد في الساحة العربية والإسلامية، لصالح الصراعات الطائفية والمذهبية والاجتماعية.

ويرى التقرير أن من شأن خطة سياسية متعددة المسارات فى الساحة الفلسطينية أن تشكل أساسا لتحسين وضع إسرائيل من عدة وجوه. ويؤكد التقرير أنه ينبغي لهذه الخطة أن ترتكز على عملية تشمل خطوات متوافق عليها: تهيئة الظروف الميدانية الملائمة لتسوية سياسية، يواكبها تسريع وتطوير البنى التحتية للدولة الفلسطينية المستقبلية (ومن ضمنها فى قطاع غزة). ومن شأن عملية حوار إيجابي بين إسرائيل والفلسطينيين أن تحصن العلاقات الاستراتيجية مع مصر والأردن، وأن تشكل عتبة قفز ضرورية في الساحة الإقليمية.

كما يرى التقرير أن أحد سمات السنوات الخمس الماضية التوترات والصراعات التي تدور في وقت واحد، التي كان أولها: الصراع الاجتماعيّ الاقتصاديّ الذي أشعل المنطقة وأعتبر أن الصراع الثاني هو الصراع الطائفيّ بين السنة والشيعة حول الهيمنة الإقليمية، ضدّ الهيمنة المتنامية للمحور الشيعي بقيادة إيران، ورأى أن التقرير ينظر للبرنامج النووي الإيراني بعين القلق.

حيث يعتبر التقرير أن إسرائيل تقف وحيدة في مواجهة الاتفاق النووي مع إيران والذي حمل آثارا سلبية عليها، أبرزها منح شرعية لبرنامج إيران النووي وتطويره في المدى الطويل لاختصار الزمن اللازم لإنتاج قنبلة نووية، بينما يؤدي رفع العقوبات عن إيران إلى زيادة مواردها المالية التي تستخدمها في تمويل الإرهاب وتعظيم قدراتها العسكرية التقليدية في المدى القصير.

وأكد أن التقرير ينظر إلى التطورات في سوريّة وانعكاساتها على لبنان هي الأكثر عصفًا في محيط إسرائيل، لذلك فإنّها تثير الانتباه، لافتةً إلى أنّه من الصعب التنبؤ "بالشوط النهائي" المستقبلي على هذه الساحة السورية، وتناول التقرير تناول علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بإسرائيل من خلال عدة نقاط كان من أبرزها: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خصوصاً مساعي الرئيس الأمريكي أوباما لاستئناف عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وتفضيل السلطة الفلسطينية العمل على الساحة الدولية وعدم اهتمامها بمسار المفاوضات مع إسرائيل. وخشية إسرائيل من تحويل الموضوع الفلسطيني إلى الساحة الدولية خاصة بعد إطلاق فرنسا للمبادرة الفرنسية وهي عضو كامل العضوية في مجلس الأمن.

وطالب التقرير بمراقبة التطورات الجارية في الاتحاد الأوروبي والأزمات التي تعصف به والتي يمكن أن تعكس تأثيراتها على سياسات الاتحاد الأوروبي مثل الأزمة اليونانية وتصويت على خروج أو بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي في عام 2017، والخشية من اتخاذ دول أوروبية نفس الطريق. والاهتمام بالتوتر القائم بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بسبب الانتقاد المتزايد لسياسة إسرائيل تجاه القضية الفلسطينية والإجراءات الاقتصادية التي اتخذها الاتحاد الأوروبي ضد إسرائيل بسبب نشاطها الاستيطاني.

وتناول التقرير العلاقة مع الصين بشقيها الاقتصادي والسياسي من خلال التأكيد أن العلاقات بين إسرائيل والصين مرتبطة بالعلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وضرورة أن تكون الاعتبارات الإستراتيجية في مقدمة تحليل العلاقات بين إسرائيل والصين.

وتميز الوضع الداخلي في إسرائيل بفشل التعايش بين اليهود والفلسطينيين في داخل فلسطين المحتلة، حيث تميزت الساحة الداخلية الإسرائيلية بالذعر والارتباك والعزلة والعداء للعرب بنحو حاد يقترب من التحريض الواضح، وطالب التقرير بالعمل على تمكين الجبهة الداخلية في مواجهة التحديات وتعزيز التكيف الاجتماعي من خلال إجراء حوار سياسي وثقافي بين مكونات المتجمع الإسرائيلي بهدف تعزيز مفهوم التعايش والابتعاد عن كل ما يوتر الساحة الداخلية الإسرائيلية.

مأزق وإحباط

أما ندوة معهد أبحاث الأمن القومي في الكيان الصهيوني فقد تحولت إلى منصة هرج ومرج شارك فيها الوزير السابق جدعون ساعر وركن الائتلاف الحكومي نفتالي بينيت ووزير الحرب موشي ياعلون ورئيس الحكومة بنيامين نتناياهو والسفير الأميركي دان شابيرو .

حيث شهدت الندوة موجة ضارية من تبادل الاتهامات بالتحجر والقصور والعجز والتسبب بالضرر والمخاطر الأمنية وشكوى من هلع المستعمرين الصهاينة في الضفة الغربية المحتلة وعدم فاعلية التدابير المتخذة في محاصرة الانتفاضة أو منع العمليات الفدائية المتجددة وضيق كبير من سقوط الحصار على إيران ومن مواقف دول الاتحاد الأوروبي والتنبيه الأمريكي من تبعات التوسع في بناء المستعمرات الصهيونية ومصادرة المزيد من أراضي الضفة الغربية وتحذيرات من شبح العزلة الدولية للكيان الصهيوني.

تشعب الجدل بين المشاركين الآنف ذكرهم وأبرزه في صحف العدو كبار الكتاب والمحللين الصهاينة ولا سيما ناحوم برنياع وبن كاسبيت اللذين وجها انتقادات لاذعة للمشاركين الذين نشروا غسيل الحكومة والجيش والمخابرات في نقاشات يفترض أنها مكرسة للبحث في التحديات الكبرى التي تحيط بالكيان الصهيوني .

وضعت في الميزان جدارة حكومة نتنياهو ومدى قدرتها على مجابهة التحديات الناشئة عن الانتفاضة الفلسطينية وعن تصاعد عمليات المقاومة الجديدة الغامضة والمركبة التي تزيد أجهزة المخابرات والقمع حيرة وعجزاً عن تحديد طرق المواجهة والأهداف والوسائل الناجعة لردع تعاظم انتشار العدوى في صفوف فتيات وفتيان فلسطينيين يطلبون الاستشهاد ويحولون حياة المستعمرين وجنود الاحتلال إلى جحيم بعمليات الطعن والدهس وأحياناً بعمليات عسكرية استشهادية تقضي على قادة ومسؤولين تتسرب تكهنات عن هوياتهم على الرغم من التعتيم والتكتم الشديدين كما حصل في تصفية من تردد أنه مدير عمليات الموساد مع خرس رسمي دون النفي أو التأكيد.

ويتعزز المأزق والإحباط الصهيوني في المنطقة والعالم على الرغم مما حققته "فتوحات" الموساد والرعاية الأمريكية للكيان في توسيع دوائر التطبيع والتعامل العربي مع العدو كما يجري سراً وعلناً مع بعض حكومات الخليج وخصوصاً السعودية والإمارات إضافة لقطر الشريك القديم للدولة العبرية.

ليست إسرائيل في أسوأ أحوالها وفقاً لما يعرضه نتنياهو حول تلك التطورات التي قادت مستشاره إلى موقع رئاسة الموساد وهو انطباع تعززه عودة الدفء للعلاقات الصهيونية التركية وبالرعاية الأمريكية نفسها بينما تمد تل أبيب أذرعتها في سورية لدعم جماعات القاعدة وغيرها من زمر الإرهاب العميلة وتسهم في العدوان على اليمن وتستشعر تحولها إلى لاعب في الداخل العربي كما كانت في لبنان خلال الحرب الأهلية قبل أربعين عاماً، لكن كل ذلك لا يطمس حقيقة أن القلق الكبير كامن ومتفاعل في مراكز القيادة والتخطيط الصهيونية: الغرب يستسلم لحقيقة أن الرئيس بشار الأسد صامد وثابت في سورية ، قوة حزب الله تتعاظم في المنطقة والجبهة الشمالية باتت واحدة من الحدود السورية الأردنية إلى رأس الناقورة كما قال بيان هيئة الأركان عن المناورات الصهيونية التي جرت قبل أيام والأدهى من كل ذلك أن القوة الإيرانية تحررت من قيود العقوبات والحصار وانعتقت دولياً وإقليميا وهي الصفعة الإستراتيجية التي تختصر المأزق برمته.

أما الحلقة المركزية في الجدل الصهيوني الداخلي الذي تفجر وأثار التداعيات السياسية والإعلامية محوره الانتفاضة وسرها الغامض فهي مجمع المخابرات الصهيونية الذي لم يستطع أن يفكك جينات الموجة الجديدة من التحركات الشعبية والعمليات الاستشهادية والمستعمرات تعيش رعباً متزايداً بظهور سلاح بسيط مضاد لأسلحة المستعمرين الذين تحميهم قوات الاحتلال وشنوا عمليات قتل منظمة ضد الفلسطينيين وباتوا مؤخراً مطاردين بهاجس الطعن والدهس الذي يقوم به شباب وصبايا دون سابق إنذار ومن غير توقع وفي أي مكان.

وما يرعب الصهاينة اليوم هو الجيل الفلسطيني الجديد من الثوار والفدائيين والناشطين والمتظاهرين لأنه خارج السيطرة فليس الأمر بيد الرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية التي تواصل التنسيق الأمني مع مخابرات العدو ولا هو بيد الشيخ خالد مشعل وقيادة حماس حتى حين يتبين أن أقارب هذا الشهيد أو ذاك ينتسبون لهذه المنظمة أو تلك أو حتى حين يكون الشهداء من المنتسبين يجزم قادة العدو أنهم تحركوا من تلقاء أنفسهم وليس بناء على أوامر منظماتهم وبات الصهاينة يقتربون من إدراك أن هذه الانتفاضة والمقاومة هي ثمرة تراكم تاريخي لوعي جديد سقط معه وهم الدولتين والحقيقة المرة التي يتجنب الصهاينة الاعتراف بها هي أن حركة وطنية جديدة تولد في كل فلسطين وتعمل لتحرير كل فلسطين وهم يتحسسون توغلها وانتشارها.

وهكذا فإن انتفاضة القدس الحالية هزت الأساسين اللذين يقوم عليهما المجتمع الصهيوني وهما الأمن والاقتصاد، في مقابل حالة من الصمود يقدمها الفلسطينيون، مشيراً إلى أنها تُعيد توجيه بوصلة الأمة إلى عدوها الأول. فهناك 1516 عملية طعن للجنود والمستوطنين الصهاينة تمت خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذه الانتفاضة، من بينها 296 عملية أدت إلى إصابات مباشرة بين الصهاينة ، وتعتمد هذه العمليات كلها على العامل الفردي.

وعلى الرغم من أن الخسائر الصهيونية قد تبدو قليلة، إلا أنه عند الأخذ في الاعتبار أن الكيان يقوم على الأمن والاقتصاد، فإن الانتفاضة الحالية تتسبب في حالة من الهلع في مجتمعها، حتى أن 77% من المغتصبين لم يعودوا يشعرون بالأمن، بينهم 52% لا يشعرون بالأمن مطلقاً، و25% يشعرون بانعدام الأمن، وفق الإحصاءات الصهيونية .

إضافة إلى ذلك فأن حشد الكيان 27كتيبة عسكرية لمواجهة الانتفاضة يعني حالة من الاستنزاف للمجتمع وهو ما انعكس على السلوك الصهيوني، حتى أن 80% من سكان بعض المدن التي تحدث فيها عمليات للانتفاضة لا يخرجون من بيوتهم في بعض الأوقات، فضلاً عن خسائر سياحية كبيرة وغير ذلك.

اعلى الصفحة