هل تُقْدِم إسرائيل على مهاجمة لبنان؟!!

السنة الخامسة عشر ـ العدد 176  ـ (شوال ـ ذو القعدة 1437 هـ ) ـ (آب 2016 م)

بقلم: محمود إسماعيل

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ثلاثة وثلاثون يوماً من الحرب الإسرائيلية على لبنان لم تعد على هذا العدو إلا بالهزيمة والذل في سجله الأسود، حرب جهد العدو الإسرائيلي على التخطيط لها قبل أشهر بحسب التقارير والوثائق التي نشرت فيما بعد، تخطيط أميركي وتنفيذ صهيوني، أما الهدف فهو ما سمي بمشروع الشرق الأوسط الجديد أي تفتيت جميع دول المنطقة وتقسيمها ليسهل السيطرة عليها فيما بعد، وحدها المقاومة كانت العثرة في طريق هذا المشروع.

بعد حرب تموز، لم تقفل واشنطن مشروع الشرق الأوسط الجديد فاستمرت في العمل عليه، لكن هذه المرة بأيدي الإرهابَيْن الصهيوني والتكفيري وبدعم سعودي واضح، وهو ما تعمل المقاومة ودول الممانعة على إفشاله.

لقد اختلف المشهد ما بين حرب تموز ٢٠٠٦ وحرب التكفير والإرهاب المستمرة على سوريا والعراق واليمن، لكن الهدف واحد والمستفيد واحد، إذ لا يختلف اثنان على أن العدو الصهيوني والعدو التكفيري هما وجهان لعملة واحدة وهي العملة الأميركية.

شهادات جديدة عن حرب تموز

خلافاً لما كان يجري في السنوات الماضية، أفرج الجيش الإسرائيلي، بصورة مدروسة لتخفيف الأضرار، عن شهادات جنود وضباط شاركوا في حرب عام ٢٠٠٦ وشاهدوا ويلاتها.

مع توجيه كل ما يرد في الشهادات، إلا أنها لا تلغي صورة الانكسار التي تعد قيادة الجيش الإسرائيلي بأنها لن تتكرر في الحرب المقبلة مع حزب الله، مع كل تقرير يصدر بمناسبة عشر سنوات على انتهائها.

بعد تقارير صدرت عن معارك بنت جبيل التي خاضتها وحدات لواء غولاني والخسائر التي مني بها داخل المدينة والتخبط الذي تخلل القتال فيها، ومن ثم معركة وادي الحجير التي سميت مصيدة الميركافا في الأيام الأخيرة للحرب، أفرج الناطق باسم الجيش الإسرائيلي عن مقطع مسجل لقائد ميداني خاض أول مواجهة مع عناصر من حزب الله في عيتا الشعب. القتال المباشر في عيتا الشعب بدأ في ٣١ تموز واستمر حتى ١١ آب ليهدأ قبل ثلاثة أيام من انتهاء الحرب. صمود القرية كان غير مسبوق، وكذلك استبسال المقاومين فيها، وهي حفرت عميقاً في وعي الجنود والضباط الإسرائيليين من لواء المظليين الذي أوكلت إليه محاولة احتلال القرية والسيطرة عليها. وقد اعترف جيش العدو بسقوط ١٣ قتيلاً في عيتا، إضافة إلى مئات الجرحى.

 التسجيل بصوت الضابط الإسرائيلي أشار إلى أن حصيلة اليوم الأول للقتال في القرية بلغ ٣ قتلى و ٣٠ جريحاً، فيما سقط الآخرون في الأيام اللاحقة، وبقيت أجزاء من القرية عصية على الاحتلال حتى نهاية الحرب. يتعلق التسجيل بليلة الأول من آب بعد محاولة فاشلة لدخول القرية. وقد أوضح موقع (ويلا) العبري الذي نشر التسجيل بأنها كانت ليلة قاسية مع استخدام كثيف للنيران عن بُعْد وتدخُّل واسع لسلاح المدفعية وهجمات جوية للطائرات الحربية، إضافة إلى محاولة توغل للدبابات والآليات المصفحة، ويسمع في التسجيل صوت قائد لواء المظليين وهو يتحدث لقادة الكتائب على الأرض ويحذّرهم من المقاومة الشرسة التي سيواجهونها داخل عيتا ويطالبهم بضرورة الابتعاد، قدر الإمكان، عن المباني، إلا في حال توفير حماية كافية لأنها قد تتحول إلى فخ قاتل للجنود.

تزايد تهديدات حزب الله الصاروخية ووثيقة جدعون

أصدر الجيش الإسرائيلي وثيقة عرفت بوثيقة جدعون عام ٢٠١٥ لتشكل إستراتيجيته في الأعوام المقبلة. وفي سابقة لم تشهدها إسرائيل، خرجت الوثيقة إلى العلن قبل إقرارها رسمياً من قبل حكومة بنيامين نتنياهو. تُبرز الوثيقة متغيرات المشهد الإستراتيجي الإقليمي والإسرائيلي، وتركز على المندرجات الأساسية الآتية:

١ــ التهديدات المعادية: وقد تم حصرها بإيران كدولة بعيدة ولبنان كدولة قريبة، وسوريا، بحسب الوثيقة، دولة آيلة إلى التفكك، إضافة إلى تهديدات المنظمات المسلحة غير الرسمية مثل حزب الله وحركة حماس، حيث باتت هذه المنظمات التهديد الرئيسي لإسرائيل بعد ما حلت مكان جيوش دول الطوق التي تلاشى خطرها إلى الحدود الدنيا.

٢ــ الجبهة الداخلية: منذ تبيان جدوى التركيز عليها، وخاصة بعد تجربتي حرب تموز ٢٠٠٦ وعملية الجرف الصامد ٢٠١٤، تعمل حركتا المقاومة في لبنان وقطاع غزة بدأب على تطوير أذرعتهما الصاروخية لكي يكون بمقدورهما قصف أي هدف على الخارطة الفلسطينية وهما تطمحان لتكوين توازن نسبي مع ذراع الجو الإسرائيلية.

إن هذه الوثيقة تتحدث عن حجم التهديد الصاروخي وسرعته ومداه ودقته وحمولته وإمكانية تواصله باستمرار، وتركز على خطر ترسانة حزب الله التي تحوي ما يفوق المائة ألف صاروخ وقدرته على إطلاق أكثر من ١٥٠٠ صاروخ يوميا لمدة أسابيع. تظهر عملية حسابية بسيطة أن قدرات المقاومة اللبنانية قد تضاعفت كمّاً ونوعاً أكثر من عشر مرات منذ حرب لبنان الثانية. تؤكد هذه الوثيقة أيضاً على تفعيل ثنائية القصف الناري والمناورة الهجومية، ما يعني إطلاق يد ذراع البر الإسرائيلية فور اشتعال النزاع لكيلا تتكرر أخطاء صيف تموز، حين اختل التوازن لمصلحة الضربات الجوية على حساب العمل البري الواسع.

إن مندرجات وثيقة جدعون تظهر ظلال حرب لبنان الثانية التي لا تزال مفاعيلها حاضرة بقوة في العقل الإسرائيلي وتتحكم بالكثير من خطواته العملانية وخطته المستقبلية. أما عن مدى نجاعة الوثيقة في الإجابة عن أسئلة الحاضر وتحديات المستقبل فهذا رهن باختبارات الميدان أولاً وأخيراً.

السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة داني دانون، حذر من أن عدد الصواريخ التي يمتلكها حزب الله تحت الأرض تتجاوز مجموع ما تمتلكه الدول الأوروبية المنضوية في حاف الناتو فوق الأرض. ففي خلال مناقشة أجراها مجلس الأمن الدولي بمناسبة مرور ١٠ سنوات على حرب تموز وإصدار القرار رقم ١٧٠١، قال دانون إن عدد صواريخ الحزب بات يفوق ال ١٢٠ ألف موجهة إلى التجمعات السكانية في إسرائيل مقارنة ب ٧ آلاف صاروخ حين صدر القرار ١٧٠١ .

المقاومة الإسلامية تغرق بارجة إسرائيلية

" الآن، في عرض البحر، في مقابل بيروت، البارجة الحربية العسكرية الإسرائيلية التي اعتدت على بنيتنا التحتية وعلى بيوت الناس وعلى المدنيين، انظروا إليها تحترق وستغرق ومعها عشرات الجنود الإسرائيليين الصهاينة". بهذه الكلمات، زف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خبراً انتظره شعب المقاومة.

عند حوالي الساعة 8:45 من مساء الجمعة ١٤ تموز ٢٠٠٦ استهدفت المقاومة الإسلامية البارجة الحربية الإسرائيلية (ساعر ٥) بصاروخ موجه على الشاطئ اللبناني ودمرتها مخلفة أفراد طاقمها بين قتلى وجرحى، فبنيان السفينة المدرع لم يقها من صواريخ المقاومة.

(ساعر) أو المهاجم باللغة العربية، هو اسم لبارجة إسرائيلية من أصل ثلاث بوارج تمتلكها إسرائيل، مجهزة بتقنيات عالية جداً. فعلى سطحها مهبط للطائرات المروحية، وهي صممت للإفلات من الرادار والأشعة تحت الحمراء. كذلك فإن البارجة مجهزة بأسلحة متنوعة تشمل صواريخ أرض/ أرض و جوّ/ جو ولديها مؤن تكفي للبقاء في البحر مدة ٢٤ يوماً.

كل هذه الميزات لم تكن كافية لمنع يد المقاومين من الوصول إلى (ساعر) وإغراقها وإجبار بحرية العدو على الابتعاد عن شاطئ بيروت بعد مباهاتها بقدرتها على التحرك بحرية. التخبطات العسكرية الإسرائيلية لم تنته هنا، فبعد عشر سنوات من ذكرى حرب تموز لا يزال جيش العدو يقوم بالمناورات البحرية في البحر الأحمر وعلى حدود المحيط الهندي، تحسباً لأي ضربة مستقبلية محتملة، كتلك التي طالت (ساعر)، وقد ازدادت مخاوفه من قدرات حزب الله العسكرية البحرية.

المفاجآت التي وعد بها قائد الانتصارات بدأت، ولن تنتهي، فضربات المقاومة ستظل تطال أعداءها، وما البارجة الإسرائيلية (ساعر ٥) إلا مثال حي على أن لا شيء يقف أمام إرادة المقاومة.

لم يكن السلاح، على أهميته وخطورة نوعيته، هو الأساس، بل الروح المعنوية العالية والبسالة المميزة للمجاهدين ثم الاحتضان الشعبي العارم، لاسيما في المناطق التي استهدفها الهجوم ثم تمدد منها إلى سائر الجهات، فضلاً عن تنوع السلاح وكفاءة المقاتلين الذين تدربوا على مواجهة الهجمات على اختلافها، بما في ذلك عبر البحر، حيث لم يكن واردا في حساب العدو الإسرائيلي أن المقاومة قد استعدت أيضا للمدمرات والزوارق الحربية التي توسع ميدان القتال إلى سواحل بيروت. عندما تهاوت التصورات الخاطئة عن التفوق المطلق للعدو، والذي لا يمكن مواجهته، وتعاظم اليقين بقدرة مجاهدي المقاومة على مواجهة أسلحة جيش العدو كافة بما فيها الطيران ودبابات الميركافا وأبواق دعايته، عادت الثقة بالذات إلى الارتفاع ثم زادها الفخر بهذا الإنجاز الكبير الذي تحقق.

بعد عشر سنوات.. ذكرى حرب تموز تقضّ مضاجع الصهاينة!

لم يستطع الصهاينة انتظار الثاني عشر من شهر تموز الماضي للحديث عن "حرب لبنان الثانية" كما أسموها، بل بدأت تبعات الذكرى العاشرة للحرب تلقي بظلالها على كيان الاحتلال منذ حوالي أسبوعين من الذكرى، حيث امتلأت أوراق الصحف العبرية بالتقارير والتحليلات التي اعتبرت أنّ التجربة التي خاضها العدو عام 2006 "كانت وما زالت فشلاً مدوياً"، حسبما وصفها الكاتب الإسرائيلي عاموس هرئيل، الذي قال في مقدمة مقاله الذي نشرته صحيفة "هآرتس" إنّه "تمّ تبكير موعد استخلاصات الذكرى السنوية العاشرة للحرب الثانية في لبنان، بسبب المنافسة بين القنوات".

يسترجع أحد الجنود الصهاينة في جيش الاحتلال ذكرياته خلال الحرب، في مقالٍ نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت". يصف ناحوم برنياع اللحظات الأولى لدخوله الحرب والتحاقه بقوات العدو على الحدود الجنوبية للبنان، محاولاً تحليل الأخطاء الصهيونية التي أدّت إلى الهزيمة التاريخية النكراء. ينقل برنياع عن قائد كتيبته قوله إنّ جيش العدو كان يعاني من مشكلةٍ في الاستعداد بالوسائل والتدريب خلال الحرب، بالإضافة إلى مشكلة ثقةٍ بين الجنود والضباط، قبل أن يضيف إنّ العدو كان ولا يزال يعاني من مشكلةٍ في تحديد أهدافه الإستراتيجية في لبنان.

وفي العودة إلى صحيفة "هآرتس"، التي أجرت مقارنةً حول قوة المقاومة وتعاظم قدراتها منذ العام 2006 وحتى العام الجاري، اعتبرت الصحيفة أنّه يمكن اعتبار المقاومة "جيشاً بمستوى متوسط، على الرغم من عدم امتلاكها لطائرات ودبابات"، معتبرةً أنه بفضل "قدراتها المحسّنة في جميع النواحي الأخرى، لن يكفي القصف من الجوّ إذا اندلعت الحرب في الشمال".

ورأت الصحيفة أن "التدخل الروسي في سوريا يحمل في طيّاته ربحاً لحزب الله أيضاً"، مشيرةً إلى أن "العمل الملاصق مع ضباط روس وقادة إيرانيين حسّن قدرات مقاتلي الحزب"، معتبرة أن "هؤلاء القادة والمقاتلين، الذين صمدوا خلال سنوات الحرب، راكموا تجربة عملياتية كبيرة ومنوّعة أكثر من قتال حرب العصابات الذي ميّز القتال في العام 2006"، وأضافت أن "للمنظمة أيضاً آلاف المقاتلين في الاحتياط، ففي العام 2006 كان هناك 20000 مقاتل نظامي، بينما بلغ مقاتلو الحزب في العام (2016) 45000 مقاتل، 21000 منهم في الاحتياط".

وإلى جانب حديثها عن الخبرات العسكرية للمقاومين، فصّلت الصحيفة بالأرقام التوقعات العبرية لعتاد حزب الله، معتبرةً أنّ مخزون الصواريخ اليوم لدى حزب الله مضاعف عشرات المرات مما كان لديه عشية 12 تموز 2006"، مشيرًة إلى أنّ للمقاومة "قدرات منوّعة على الإطلاق: منصات إطلاق تحت الأرض، منصات إطلاق في كاراجات داخل المحميات الطبيعية ومنصات إطلاق متحركة على شاحنات وعربات تجارية مخصصة"، بالإضافة إلى حديثها عن الطائرات بدون طيار الهجومية، صواريخ بر- بحر، الصواريخ المضادة للدروع ومنظومة الدفاع الجوي.

السعودية وتهمة المقاومة بالمغامرة

لم يكن غريباً أن تطلق السعودية تهمة المغامرة على المقاومة، فهي صاحبة نهج في التعامل في القضايا بالتسويات الدنيا. الحرب على المقاومة في تموز دغدغت أحلام ملوك ورؤساء ومنظرين، ظنوا أنهم سيفتحون شرقاً أوسط جديداً، شرقاً مسالماً بلا مقاومة ولا ممانعة، شرقاً يخضع لما دون خطة السلام التي أقرتها القمة العربية في بيروت. يومها فاز مشروع الملك السعودي للسلام بإجماع، ولكنه دُفِن فور ولادته على درج الفندق. يومها كان أبو عمار يسهر وينام والمدفعية الإسرائيلية تظلل غرفة نومه، كان وحيداً، تركوه هناك ومنعوا حتى صوته من الحضور.

في عدوان تموز استعيدت العافية السلمية، غونداليزا رايس في أحضان رئاسة الوزراء اللبنانية تخاطب العالم: الشرق الأوسط الجديد على موعد مع ولادته. شرق بسلام الخرفان وليس بسلام الشجعان. أنى لهؤلاء الشجاعة وهم يخافون من شعوبهم ومفكريهم ومواطنيهم ومن المقاومة ولو كانت بعيدة عن ديارهم؟!.

لم يكن غريباً أن يكون الرد الدولي والعربي والمذهبي على شاكلة الفتنة المنتشرة في المنطقة، فقد ورث الخراب الانتصار. ما كان ربيعاً مشروعاً حالماً بالحرية والرغيف والكرامة حولته أنظمة الردة الملكية والمذهبية إلى حروب متصلة تتغذى من منسوب مذهبي لا ينضب، توظفه في مشروع سياسي يغير وجه الشرق الأوسط الحقيقي.

الانتهاء من فلسطين وممن يحميها ويقاتل من أجلها ويحفظها قضية غير قابلة للمساومة. ها هي الرجعية تدشن الطريق إلى تل أبيب علنا، بعدما سلكتها سراً منذ النكبة. رغم كل هذه المواقف، لم ينته زمن الانتصارات، ولكن ثمن الانتصارات غال والإبقاء عليه صيانة للسيادة وقاعدة للتحرير، إنما كم بدا سهلا الانتصار المكلف على العدو وكم يبدو باهظا الصمود في وجه العدو الداخلي ؟

هل تقدم إسرائيل على شن حرب على لبنان؟

لقد كانت المقاومة ولا زالت على يقين بأن إسرائيل المهزومة لن تسكت على هزيمة أو جرح، وأنها لا بد من أن تعد للانتقام من المقاومة وبشتى الأوجه والأساليب. ما نتج بعد حرب ٢٠٠٦ يطرح سؤالا مركزيا هو بخلاف ما يسأل الكثيرون الذين يسألون: هل ستقع الحرب، وكيف ستنتقم إسرائيل من حزب الله وتعاود خسارتها السابقة؟

أما السؤال الواقعي والموضوعي فهو: متى ستقع الحرب، وهل يمكن منعها لحماية لبنان من العدوان؟ وهنا الخلاف بين من يرى مشروعية المقاومة وحقها في حماية لبنان، إلى جانب الجيش الذي يضيق عليه بالسلاح وسواه، ومن لا يزال يعتقد بأن إسرائيل قوة لا تقهر وبأنها ستدمر المقاومة ومن يحتضنها.

المقاومة، على حد ما تقول إسرائيل، تملك أكثر من ١٠٠ ألف صاروخ متفاوتة المدى، كما أن بإمكانها، وعلى حد توصيف مراكز الدراسات الغربية، أن تصب ثقلاً نارياً مكثفاً على أي منطقة مدنية أو عسكرية في إسرائيل وتعطل فيها دورة النشاط والحياة العامة، وتسقط النظرية الإسرائيلية التي على أساسها تمت صياغة إستراتيجية حماية الجبهة الداخلية على أساس مجتمع يعمل تحت النار. بالنظر إلى هذه الاعتبارات، فإن إسرائيل تعوض عن العجز في الميدان بالتهويل في الإعلام والمواقف السياسية، وبالحرب النفسية ضد لبنان عامة وحزب الله خصوصاً.

إن إسرائيل تتمنى أن تتحقق، اليوم قبل الغد، شروط ذهابها إلى الحرب من أجل محو هزيمة ٢٠٠٦، والانطلاق السريع في بناء فضائها الإستراتيجي الحيوي في المنطقة، ولكن هذه الشروط غير متوفرة الآن، فلا هي واثقة من إمكانية هزيمة حزب الله في الميدان، ولا هي مقتنعة بقدرتها على حماية مجتمعها واحتواء رد المقاومة، ولا هي مطمئنة إلى الظروف الإقليمية والدولية التي تساعدها في صرف الإنجاز العسكري سياسياً، هذا إذا تحقق.

 لذلك، تبقى الحرب مفترضة وتبقى قراراً متخذاً مؤجل التنفيذ ريثما تحقق شروط نجاحه، ما يجعل الحرب النفسية والتهديد والضغوط المتعددة الأوجه هي الحروب البديلة التي تتولاها إسرائيل وحلفاؤها من أعداء المقاومة، وتبقى هي الحروب المتاحة ضد حزب الله ولبنان.

اعلى الصفحة